أ.د.مساعد بن عبدالله النوح
سوء التعامل مع العاملة المنزلية، أضحى شعاراً تردده وزارات العمل والقوى العاملة أو من يمثلها في المجتمعات التي تصدر عاملتها للمملكة العربية السعودية؛ بقصد الابتزاز والمساومة؛
لتقديم تنازلات تتعلق بحجم الراتب وساعات العمل والتأمين والعفو عن التجاوزات التي تحدث منها في منازل الأسر؛ نظراً لعلم هذه الجهات المسبق بحاجة الأسر السعودية إلى من يقوم بدور المساعد في أداء الواجبات المنزلية مع الأب والزوجة.
كلنا يعلم أن الأسرة السعودية الحديثة تضطر إلى العمالة المنزلية بسبب انشغال الأب، أو تباعد مواقع المدارس لأبنائه أو لكثرتهم، أو لانشغال الأم بعمل معين، أو لظرف صحي يمنعها من القيام بمسؤولياتها، من هنا تبدأ رحلة المعاناة مع العمالة.
تأتي عمالة لبلادنا وهي تفتقر لأبرز سمات العامل المقبول الذي يمكن الوثوق به مع الأسرة، صحياً ونفسياً ومهنياً وثقافياً واجتماعياً وأمنياً، فواجب الأسرة معها احتوائها وذلك بضبط النفس معها وطولت البال على جهلها، وتلفيات تتسبب في إحداثها، بتدريبها على المسؤوليات المرغوب منها القيام بها، وتعتقد مكاتب العمل والعمالة في المجتمعات التي تصدرها أن ردود أفعال هذه الأسر بمثابة أوليات؛ لأنها هي المضطرة.
يأتي السائق إلى الأسرة وقد لا يعرف عن ثقافة المجتمع الذي يأتي إليه إلا القليل، كما أنه قد يجهل مهارات قيادة السيارة، وليس لديه معلومات عن ملامح القيادة في المدينة التي سيسافر إليها ويعمل فيها، ولا يعرف عن وسائل التقنية شيئاً. فتحدث منه تجاوزات قد تتسبب في إرهاق الأسرة مالياً ومعنوياً.
والخادمة ليست أحسن حالاً من السائق، إذ تأتي إلى الأسرة، وربما تجهل ضوابط المجتمع الاجتماعية والأسرية، وربما تفتقر إلى أبسط مهارات العمل مع الأسرة، وبالتالي يحدث منها تجاوزات في البيت مع الزوجة والأبناء ولاسيما الأطفال، ومع موجودات البيت.
ومن يعوًل على مكاتب الاستقدام، فلن يجد منها إلا حلولاً تخديرية؛ لأنها لا تردعهما عن الاستمرار في تجاوزاتهما، وبالتالي تضطر الأسرة إلى الصبر عليهما؛ لأنه هو الخيار الأمثل أمامها، وإلا تدخل في دوامة استغلال مكاتب تأجير العمالة، فضلاً عن طول مدة استقدام البديل.
وفي ضوء ذلك وبناء على معلومات ليست بدقيقة يخرج متحدثون بأسماء مجتمعات العاملة، وينسب إلى الأسر السعودية بأنها تقصر في معاملة عمالتها، وأجزم بأنهم لو راجعوا هؤلاء المتحدثون إجراءات الاستقدام التي تتم في مجتمعاتهم؛ لعرفوا أنها تقصر في اختيار العمالة التي ترسلها، حيث إن سماتها الشخصية لا تنفع للعمال كسائق عائلة أو خادمة في بيت، ولا تتوافر لديها مهارات العمل بصورة مرضية، وحتى الوثائق الخاصة بها غير مكتملة أو على وشك انتهاء صلاحيتها، ولا تعرف عن ثقافة المجتمع شيئاً.
أما مكاتب الاستقدام المتوافرة في السعودية لا همً لها إلا تحقيق المنفعة الخاصة، وآخر من تفكر فيه هي حاجة الأسرة للعمالة ومصروفات استقدامها. وهذا ما يبرر انتشارها في المدينة الواحدة.
لا شك أن هذه الدعاوى التي صدرت ولا تزال تصدر بين وقت وآخر لم تأت من فراغ، لها هدفين، الأول معالجة الظلم الذي قد يقع على العمالة، إذ يوجد من الأسر من يقصر في حسن المعاملة معها، كإرهاقها بساعات عمل زائدة، وتأخير رواتبها، ومطالبتها بأعمال ليست من اختصاصها، وقلة احترام إنسانيتها. والمؤشرات الظاهرية تفيد بأن هذا النوع من الأسر قليل. والثاني الابتزاز؛ نظراً للعلم المسبق بأن معظم الأسر السعودية الحديثة لا تستغني عن العاملة المنزلية، وأنه لا توجد قوانين تحميها من الابتزاز.
تنتظر الأسرة السعودية الحديثة من مقام وزارة العمل خطوات حازمة؛ للوقوف في وجه أطماع مكاتب الاستقدام؛ حيث إن الأسرة مرهقة من ضغوط الحياة اليومية، ومن الحلول المقترح للوزارة:
* اشتراط دورات تدريبية متخصصة في مجال العمل. من شأنها أن تزود العمالة بمعارف وتكسبها مهارات وتحسن اتجاهاتها عن العمل مع الأسرة السعودية.
* تحديد قائمة بأبرز مكاتب العمل والاستقدام في الخارج التي تحظى بالتقدير على غرار عمل وزارة التعليم في تحديد الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث الرائدة في العلم للابتعاث إليها.
* تزويد مكاتب الاستقدام في الداخل بهذه القائمة، والتوصية وبشدة على التعامل معها، ومتابعة العمل بموجب هذه التوصية أولاً بأول.
* تحديد جزاءات صارمة لا هوادة فيها في حالة التقصير كالتشهير بمكاتب الاستقدام المخالفة في الصحف اليومية، وإذا لم تنفع يتم إغلاقها مؤقتاً، وإذا لم تستجيب يتم إغلاقها نهائياً؛ بقصد المحافظة على حقوق المستفيد سواء أكان مواطناً أم مقيماً، والمحافظة على سمعة الوطن الذي تعمل فيه.
* تحديد هاتف مجاني مباشر مرتبط بمكتب معالي الوزير أو نائبه؛ لتلقي شكاوى المتضررين من عنترية مكاتب الاستقدام والاستجابة الفورية لها على غرار وزارة التجارة والصناعة والتي حدت من جشع التجار وتجاوزاتهم...