فاطمة العتيبي
قال شيخي بصوت متهدج أتعبته صروف الزمان:
إني والله لمشفق عليكِ من هذا الرأي الذي تلزمينه؟
لمَ لا تسايرين وتؤيدين وتصفقين فإنّ في ذلك فتحاً لباب لا ينغلق هو خير لو تعلمين من حمر النعم!
قلت يا شيخي وهل تراني ممن أشغلتهم حمر الأَنْعَام وبيضها ، إذن لكنت اليوم في عداد أكثر القوم ثراء ، فقد أوقفني قدري في مفترق طرق عدة ورأيت وسمعت ما الله به عليم. لكنني شمت مثل ما يشوم الحر عن أكل الجيف، قال شيخي وقد اعتدل في جلسته؛ لمَ تمانعين في جذب الاستثمار وترين أنه مجلبة للضعف والخوار.؟
قلت ؛ إنهم يا شيخي يتحدثون عن تخصيص لشؤون الناس الأساسية وتركهم للوسواس الخناس وهذا جد خطير!!
ليتهم تحدثوا عن جلب استثمار.. لعمار الدار، لكنت أول من يرحب «ويهيل الدلة ويشب النار»!
التفت شيخي متندراً ومن منكم اليوم يشب النار؟
قلت دعني أشرح لك الفرق بين التخصيص وجذب الاستثمار
قال ايه يا فاطمة هاتي ما عندك:
أما جذب الاستثمار فهو معزّز للتنمية ومؤشر على أهمية الإنسان كمحور، تفتح من خلاله البلاد لكبريات الشركات العظيمة لتفتح فروعاً هنا فينخرط أبناؤنا في عمل لائق ويمتلكون الخبرات ويتنافسون مع المتنافسين، ويجد الناس حاجتهم من البضائع الأصيلة بأسعارها المنافسة، مثل كل سائر البشر إلا ما كان يعوض عنه صناعة سعودية جيدة! وبهذا تكون حاجات الناس متاحة من مصدرها الأصلي، يتمتعون بمعايير جودتها واحترامها للعميل، وفي هذا حفظ للحقوق ومهنية وارتقاء نحو الأصل ونفي لكل مقلد مسرطن، وهذا من موطنات مال السياحة، فقد رأيت أن أكثر حج الناس نحو بلاد العرب والعجم وإنفاقهم الكبير هو من أجل اقتناء بضائع أصلية بمميزات جودة عالية ومضمونة، كما أن دخول المستثمر الأجنبي سيحسن من مستوى موارد البلاد غير النفطية عن طريق الضرائب والجمارك وأفواج السياحة التي لن تجد نفسها لتغيير نمطها الحياتي حين تزور بلادنا.
خذ مثالاً يا شيخي؛ نشتري الآي فون من شركات بالوكالة. أو من مكتبات وقرطاسيات يصف الناس أمامها بالطوابير دون وجود معايير وتعامل وضمانات، مثلما تقدمه الشركة الأصلية وهي محال تثري لأنها مستفيدة من عدم فتح فروع هنا ، وقد اتخذ المحتكرون الخوف على هوية المجتمع ذريعة ركبوها سنين طوال ليعبروا نحو اليخوت وأخواتها، مع أنهم هم أنفسهم يدعون اليوم لخصخصة المدارس!
قلت يا شيخي الوقور هل تعلم أن خصخصة التعليم كانت تموج بالاستثمار الأجنبي الرديء لكنه متستر تحت اسم سعودي يقبض المعلوم ولا يهمه ماذا يحدث فيها !
فتح السوق لكل استثمار قوي في الجوانب الاستهلاكية والشؤون المساندة للخدمات العامة أمر إيجابي ، من التغذية والملابس والسيارات والتقنية والحواسيب والبناء والطباعة والتجهيزات والأدوية و.. و.. و، عدا الخدمة العامة الأساسية المباشرة، تلك الخدمة التي طرفها المعلم والطرف الثاني الطالب ، والمبنى الحكومي والكتاب ..
هذه العناصر لا تقبل التخصيص ، دعوها تحت ولاية الدولة وتوجيهها وحمايتها ، والمال بدلاً من صرفه في دعم استثمار أجنبي متستر باسم مواطن سعودي، فليقدم للمدارس رأساً ويشكل مجلس إدارة لكل مدرسة من المجتمع المحلي من أولياء الأمور، يقيمون عمل المدير والمعلمين حسب نتائج الطلبة في الاختبارات والمهارات الحياتية التي تتفق مع القرن الحادي والعشرين! وماعدا ذلك فليدخل في الخصخصة مع وجود نظام الحوكمة:
قال شيخي وقد اتسعت عيناه وبدا مهموماً:
الصدق في المواقف يقنع ولو بعد حين !
قلت ليس على الرسول إلا البلاغ وفي النهاية يد الله مع الجماعة ! قال شيخي :
ليت قومي يدركون أنّ التعليم هو حصان طروادة، وإن بقاء التعليم في حرز الدولة المكين يقي عقول التلاميذ من أن تكون في مقام البيع والشراء،
قلت: صدقت يا شيخي، فالإنسان هو محور كل تنمية، وقد ورد في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية «ينبغي أن يكون الرجال والنساء والأطفال محور الاهتمام، فيتم نسج التنمية حول الناس وليس الناس حول التنمية، وذلك للأجيال الحاضرة والقادمة». فالمدرسة والمعلم والطالب والمبنى الحكومي هم ذخيرة مكانها خرج حصان المستقبل، أماناً من قطّاع الطرق وعوناً على وعثاء السفر.
قام شيخي وهو يردد: اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً. اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً.