عبدالحفيظ الشمري
يُعد مشروع التأمين في حياتنا المعاصرة خطوة مهمة من خطوات بناء المجتمع، ودعامة رئيسة من دعائم رعاية الناس، وتقديم أفضل الخدمات لهم لا سيما في مجال «التأمين الصحي» الذي يأتي بوصفه همزة وصل بين المجتمع وحياته الصحية ومرافقه العلاجية، بل هو رافد من روافد بناء منظومة صحية متكاملة؛ ينضوي تحت مظلتها الكثير من قيم التكامل والتكافل في بناء العمل الإنساني الذي يحقق معادلة النمو والكمال.
ومن المشاهد التي تثير البعض وتجعله يستدرك على نظام التأمين الصحي أنه لم ينطلق لدينا بوصفه مشروع ضرورة؛ إنما جاء على هيئة تلبية لمتطلبات معينة، أو لرغبات محددة.. وهذه نظرة قد لا تكون موفقة، أي أن مشروع التأمين الصحي يحتاج إلى هبة نوعية متكاملة؛ تطبق فيه كافة الشروط والمواصفات، ويدخل في ترتيباته جميع أفراد المجتمع، ليكون في الأساس مشروعاً صحياً وطنياً يحقق العدالة للجميع.
فمشروع «التأمين الصحي» في ظل التحولات الجديدة أصبح ضرورة ويجب تعميمه على الجميع، لأن أهميته تكمن في كونه رافداً من روافد بناء المجتمع الجديد الذي يتطلع إلى حياة أفضل من أجل مواصلة مشوار الحياة بلا مشاكل أو عوائق تحول بينه وبين احتياجاته من الرعاية الطبية، وتحسين مستوى الخدمة، وضمان مالي يكفل له العلاج بأي مركز من المراكز الطبية التي يفترض فيها أنها أعدت لتلبية احتياجات المجتمع في المجال الطبي؛ التشخيصي منه والعلاجي.
فمن البديهيات أن ندرك بأن مشروع «التأمين الصحي» ليس ترفاً أو إضافات ترفيهية يمكن أن تؤجل، أو تطبق بشكل اختياري، بل هو حق صريح للمجتمع، يضمن له الحلول المناسبة ليتحصل من خلالها على فرصة العلاج مستنداً على هذا المشروع؛ لعله يعينه على مصاريف وفواتير القطاع الصحي الخاص الذي يسجل الكثير من الآلام الإضافية، والعناء اليومي في ظل عجز القطاع الصحي العام الذي يشهد مزيداً من التكدس والوعود والمواعيد الطويلة والأليمة، بل والانتقال من مدينة إلى أخرى بحثاً عن سرير أو علاج لا سيما في مدن تعاني من قلة الحظ، وعدم التوفيق، وتجاهل منشآتها الصحية التي تفتقد لأدنى معايير الجودة.
فالبعد الاقتصادي في هذا المشروع أمر وارد وليس عائقاً أمام بنائه بشكل متكامل، ليضع كافة شرائح المجتمع في حساباته، خدمة لهم دون تمييز، فضمانة الجانب المادي يمكن أن يرتب له من خلال برامج الاستقطاعات المتعارف عليها، ليشمل الجميع، وتكون هذه المشاريع مكتملة ومحققة للبعد الصحي المطلوب، وإن تحقق هذه القطاعات أهدافها المادية والخدمية بشكل متوازن وغير مبالغ فيه في مجال التشخيص والدواء وإجراء العمليات الجراحية.
فالحول المجتزأة، أو الخطط قصيرة الأمد من شأنها أن تعيق مشروع التأمين الصحي.. فمن يراقب المشهد الحالي ويتأمله لا بد أن يجد الكثير من الأرقام المبالغ فيها لحظة تقديم الخدمات الصحية كوسائل التشخيص والرعاية الطبية، إضافة إلى المبالغة في قيم الخدمات المقدمة على نحو الأشعة والتحاليل والضماد وصرف العلاجات اللازمة.. فكثير ما يجأر المواطن بالشكوى من هول ما يرى من أرقام وحسابات يجفل منها، لأنها عالية التكلفة، وهو غير قادر على دفع هذه الفواتير.