د. عبد الله المعيلي
أن تحظى بمحبة الناس وتقديرهم، وتحتل في نفوسهم مكانة جلى سامية، فذاك أمر ممكن سهل لمن وفقه الله ويسَّر له سبل التعامل الحسن مع المحيطين به، وكسب ودهم وقلوبهم بالتقدير والاحترام، فالمحبة تاج على رؤوس المتحابين، يعكس مدى الوئام بينهم، ومدى تآلفهم ونكران ذواتهم، إنه شعور عاطفي دافئ عفوي طوعي يتولد عنه مودة وألفة، وتوثيق الصلة وترابطها، والمحبة لا تتأتى بالإكراه والخوف، بل هي مثل النسيم العليل ينساب بين النفوس المتحابة فيزيدها وحدة وألفة وأنساً، وليس بخاف أن المحبة ذات الأصول المعنوية، راسخة صادقة مستدامة، أما المحبة ذات الأصول المادية، فهي متأرجحة متذبذبة، زائفة مؤقتة، لأنها مرتبطة موزونة بالمقدار المادي كمَّاً وديمومة.
ومن صور تجسيد المحبة قول الشاعر:
يا مقيماً في خاطري وجناني
وبعيداً عن ناظري وعياني
أنت روحي إن كنت لست أراها
فهي أدنى إلي من كل دان
هذه هي المحبة الحقة، المحبة الصادقة، حيث يظل بموجبها المحبوب حاضراً في الوجدان، مقيماً في الجنان دائماً مهما كان البعد الجسدي للمتحابين، كالروح تماماً لا ترى، لكنها أقرب وأدنى من كل شيء آخر مهما كان قريباً ملازماً في كل آن ومكان، ومثل رائحة العود الطيب تشم ولا ترى.
تساءل أحدهم: هل هذه المحبة وبهذه الصفة موجودة فعلاً؟ بكل تأكيد، الجواب نعم، يأتي في مقدمتها المحبة في الله تعالى، وقوام هذه المحبة تقوى الله، والالتزام بهدي كتابه وسنة رسوله، فكلما جسد الإنسان هذه المقومات في سلوكه قولاً وعملاً، وفي علاقاته الاجتماعية، اتسعت دائرة محبيه، وتأصلت محبته في القلوب، وفي النفوس والعقول، كما تنشأ هذه المحبة من خلال احترام الآخرين وتقديرهم، والتسامح معهم، والسعي في قضاء حوائجهم، والتواصل معهم والسؤال عنهم، وتفقد أحوالهم ومشاركتهم وجدانياً في أفراحهم وأتراحهم، وعدم التعالي عليهم واحتقارهم، والتعدي على حقوقهم.
أما المهابة في القلوب، فهي مهابة تعظيم وتقدير وإجلال، وهي أثر من آثار امتلاء القلب بالإعجاب والاحترام، فمن اكتسي برداء المهابة، ونأى بنفسه عن توافه الأمور وصغائرها، تملك قلوب محبيه، فتقر برؤيته عيونهم، ويأنسون إلى الجلوس في مجلسه، والاستماع إلى قوله، والتأسي بأفعاله، والانقياد لأوامره ونواهيه.
وعندما نذكر هذه السمات يتجلى مقام سيد المرسلين والأولين والآخرين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقد كانت هيبته وإجلاله ووقاره هادياً للصحابة انقياداً واستسلاماً، فقد جمع الله له في نفوس الصحابة ومن بعدهم حتى قيام الساعة، بين المحبة الآسرة للقلوب، والمهابة والحياء في النفوس.
ومن الشواهد التي ما زال يضرب بها المثل، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففي حزمه مهابة، وفي قوته عدل، وفي قلبه رقة، أجمعت القلوب على محبته والتأسي بسيرته وشمائله. ومن أدل الشواهد على مهابة الفاروق، قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه: (ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك).
وفي زمننا هذا، وتحديداً في مملكتنا الغالية، أكثر من شاهد، يأتي في رأس القائمة الملك عبد العزيز - رحمه الله - حيث جمع بين المحبة المتواترة في قلوب أبناء مناطق المملكة كلها، والمهابة والتقدير والاحترام عندما تذكر شمائله وسماته وسيرته ومواقفه في إحقاق الحق ونصرة المظلوم.
الكل يتمنى ويتطلع إلى أن يحظى بهذه السمة السامية في نفوس كل من له علاقة بهم، وهي ليست بعصية ولا مستحيلة على من أخذ بأسبابها ومعطياتها ووطن نفسه على ذلك.