سعد بن عبدالقادر القويعي
من الجرائم السياسية البشعة التي لا تقرها الشريعة الإسلامية، والتي يُترك فيها لولي الأمر أن يعاقب من يرتكبها بالعقوبة الزاجرة التي تردع صاحبها، وتمنع شره عن جماعة المسلمين، وتكفى لزجر غيره سلاح الخيانة؛ فلا تكاد توجد صفة قبيحة جمعت أنواعاً من الشرور، مثل: الخيانة، والتي عرفته الحروب البشرية، واستخدمته الدول، والجيوش في حروبها؛ وذلك لإضعاف جبهة الآخر، وتفكيكها؛ تمهيدًا للسيطرة عليها، وإحراز النصر. - ولذا - لا غرابة أن تجلب خيانة الأوطان من الويلات، والمصائب على بلاد المسلمين الشيء الكثير، - ومن هنا - كانت خيانة الوطن خيانة عظمى.
للخيانة ألوان، وأشكال متعددة، تختلف فيما بينها حسب الحالة، أو الظرف؛ لكنها - كلها - متشابهة في المعنى، والجوهر. وعندما تكون الخيانة بحجم الوطن، تكون الدناءة، والانحطاط، واللؤم، والخسة التي تنطوي عليها نفس الخائن حاضرة. وخذ على ذلك دليلا، حول ما كشفته لائحة الدعوى عن تفاصيل مثيرة، كشفتها جلسة محاكمة 32 جاسوسا «30 سعوديا، وإيرانيا، وأفغانيا «، كان من أبرزها : اتهامهم بالخيانة العظمى لبلادهم، ومليكهم، وأمانتهم؛ لارتباطهم، وتخابرهم مع عناصر من المخابرات الإيرانية، وتقديمهم معلومات في غاية السرية، والخطورة، وعملهم على تجنيد أشخاص يعملون في أجهزة الدولة؛ لغرض التجسس، والتخابر لصالح خدمة المخابرات الإيرانية، وتحقيق أهدافها.
مع الأسف، أن يتورط من أبناء وطننا من صار مطيةً للعدو في تنفيذ مخططاتهم، وما يستجرونه من دمار للبلاد، والعباد، أو ترك دليل لهم على عوراتها؛ ليتلاعبوا باسم الدين، وبعقول الناس لمقاصد سياسية، وأجندات خارجية، وأطماع حزبية؛ فيحرضوا ضد دولتهم، ويمدوا العدو بالمعلومات المغلوطة، ويتباهون بتقاريرهم المزيفة، ويؤثروا أن يكونوا خنجراً موجهاً في ظهر وطنهم؛ ليكونوا سببا في خطوة يخطوها العدو في أرض الوطن. عندئذ - فقط - تعتبر خيانة الوطن أعظم، وأكبر مما تحتمله أي نفس، ويكاد يجمع البشر على مقت الخائن، - خصوصا - عندما تصبح خيانة الوطن منهجا لسلوكهم المشين، والنفاق ديدنا لخلقهم الوضيع.
تميز المحن الخبيث من الطيب، وفي وقت الشدائد، والمحن تزداد الخيانة قبحا. وكلما ركن الناس لحالة من الهدوء يعبث فيها أهل الباطل، جاء الله بالمحن التي يميز فيها الخبيث من الطيب. وعندما نتحدث عن الوطن، فإننا نتحدث عن كيان كبير فيه العز، والشموخ، - وبالتالي - فإن كانت خيانة الوطن مستحقة لعقوبة الموت، فكيف بمن يخون دينه، ووطنه، وحق نفسه عليه، باعتبار أن خير الحدود ما استدعي منازلها كما هي، وذلك من خلال تصعيد التعاطي مع الدين، والتدين وفق هذا المنظور؛ حتى لانفسد دنيانا بتمزيق ديننا.
وحتى لا نتجادل في بيئة خطابية غير قابلة للتداول، فإن كل شيء يذهب، ويبقى الوطن؛ لأن محبته، والانتماء إليه أمر غريزي، وطبيعة طبع الله النفوس عليها، والوطنية بهذا المفهوم الطبيعي أمرٌ غير مستغرب. كما لا يجوز أن يستغله البعض؛ ليكون مفهومًا مشوهًّا يعارض به الولاء للدين، عبر مصادمة أحكام الشريعة بمطالب الوطنية؛ فيعطل بعض مصالح الوطن، بحجة التمسك بتفاصيل الشريعة - هكذا زعموا -؛ وحتى لا نستغرق في السرد، فإن حب الوطن فرض عين، والدفاع عنه واجب مقدس، تركن إلى قيم الإسلام، التي تحدد الحقوق، والواجبات.