سعد بن عبدالقادر القويعي
أصبح سباق الزمن هو الفيصل في نقل الدواعش إلى ليبيا، وهو ما عبّرت عنه -السفيرة الأمريكية في ليبيا- ديبورا جونز في تغريدة نشرتها في 4 شباط / فبراير: «ما إذا كانت ليبيا المنقسمة تستطيع أن تصمد أمام داعش، وتدفق الآلاف من تنظيم بوكو حرام من الجنوب إليها»، ما يؤكد على أن تدهورا خطيرا في ليبيا ينذر بأسوأ الاحتمالات، ليس في الداخل الليبي، وإنما في البيئة الإقليمية ؛ فليبيا كانت، ولا تزال ضحية صراعات لأطراف أجنبية حول النفوذ في المنطقة الجغرافية، وتقسيم الموارد -ولاسيما- النفط، -وخصوصا- بعد انهيار مؤسسات الدولة -بشكل تام-، وتعدد مراكز القوى، ومصادر القرار فيها، وانتشار الفوضى العارمة، وتنافس الخصوم، واقتتالهم.
تشير الأنباء عن بدء تنظيم داعش الإرهابي بنقل مقاتليه، وإدارته إلى مدينة «سرت» الليبية، وذلك بعد أن كشفت تقارير صحفية غربية، أن التنظيم استفاد من موجات الهجرة القادمة من دول الجوار الليبي في تجنيد المزيد من المقاتلين، كما أكدت هذه التقارير، أن نصف مقاتلي التنظيم في ليبيا هم تونسيون، والباقي من جنسيات عربية، وإفريقية، بعد أن تمكن هؤلاء من الوصول عبر قوافل الهجرة؛ فليبيا تشترك بالحدود مع تونس، والجزائر، والنيجر، وتشاد، والسودان، ومصر، -بالإضافة- لامتلاكها ساحلا طوله 1600 كم، يمكِّن مقاتلي التنظيم في سوريا من الوصول بسهولة ضمن اللاجئين السوريين.
ضبط التحليل السياسي بحسب الأوضاع الواقعية، يؤكد على أن وجود داعش في ليبيا، سيشكل تهديدا لأطراف عديدة، وفي مقدمتها التوجه نحو الحدود القريبة. وستكون له تداعيات تتسم بالخطورة بالنسبة للجوار الليبي، أي: الدول السبع، وهي: تونس، والجزائر، ومصر، ومالي، والنيجر، وتشاد، ونيجيريا، وفتح النار فيها؛ من أجل تحويلها إلى عمق استراتيجي، -وبالتالي- سيزيد إمكانية تحول ليبيا إلى منطقة جذب للمزيد من الإرهابيين، -خصوصا- بعد أن تعاظمت الدافعية لدى الحركات الجهادية الليبية. وما أخشاه حقيقة، أن تسير الجماعات الإرهابية في خط تصاعدي؛ لتتحول في النهاية إلى أزمة إقليمية، ودولية، لا تقل خطورة عن أزمات شهدناها في المنطقة، -ولاسيما- دول الجوار المحاذية، والتي ستكون عرضة لتهديدات مفصلية.
التصريحات الجزائرية -في الأيام الأخيرة- تتوقع أسوأ الاحتمالات ؛ بسبب تدهور الأوضاع في ليبيا، وعلى درجة يصعب السيطرة عليها؛ ولأنها تقود حراكا سياسيا على أكثر من جبهة، -سواء- في تونس، أو في مالي، -بالإضافة- إلى تنسيقها الدائم مع مصر؛ من أجل بلورة موقف إقليمي واحد من هذه التهديدات؛ ولأنه لا بد من أن يرتكز أي قرار متعلق بالسياسات الواجب اتخاذها في ليبيا على فهم دقيق للمشهد المتطرف المتغير؛ الأمر الذي يوجب على الليبيين -في المقابل- حل النزاع بأنفسهم، والاتفاق على خارطة طريق وطنية؛ من أجل إجراء انتخابات.
لا نريد من ليبيا أن تصبح بيئة مناسبة للتنظيمات المتطرفة العنيفة، كما لا نريد من التنظيمات الإرهابية المختلفة أن تتخذ من ليبيا مركزًا جديدًا لهم؛ لأنهم يهدفون إلى تقسيم ليبيا إلى ثلاث ولايات، الأولى: ولاية برقة، والثانية: ولاية طرابلس، والثالثة: ولاية فزان. وما لم يستكمل المجتمع الدولي دوره في تمهيد الطريق لنشر قوات تابعة للأمم المتحدة في بعض أجزاء من ليبيا، وبالتعاون مع الأمن المحلي، فإن الأمن الإقليمي على -كافة المستويات- السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، سيكون مهددا ضمن سياق رؤية التنظيمات الإرهابية ؛ سعيًا لإثارة حالة من الفوضى؛ ومن أجل تحقيق أهدافه، ونشر هذه الحالة في دول منطقة شمال إفريقيا.