سعد بن عبدالقادر القويعي
العمل على إعادة رسم الحدود في المنطقة الممتدة من باكستان، وأفغانستان شرقا، مرورا بسوريا، ومصر، وحتى سواحل المحيط الأطلسي غربا، هو ما يتوافق مع رأى مايكل هايدن - الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية - «سي آي إيه» - قبل أيام -، عندما قال، بأن: «الشرق الأوسط يشهد حالياً تغييرات إقليمية كبيرة»، وصفها من باب التشبيه بـ»التكتونية»، - وبالتالي -: «يمكن القول إن سوريا لم تعد موجودة، والعراق لم يعد موجوداً، ولن يعود كلاهما أبداً، ولبنان يفقد الترابط، وليبيا انتهت منذ مدة».
إن نشر الفوضى في العالم العربي، وإحداث انقسام فيها من الداخل، هي نظريات سياسية تقوم على أساس الاستفادة من الاضطراب، وعدم الاستقرار في المناطق الحيوية، بما يحقق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على العالم، وبما يوفر لإسرائيل الأمن، والاستقرار، والتدخل في شؤون العرب، والمسلمين ولذا - لا غرابة - أن يصرّح القوم بأن منطقة الشرق الأوسط، ستحتاج إلى تصحيح الحدود التي رسمتها اتفاقية « سايكس بيكو»، ومقررات مؤتمر «فرساي». مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، أن السودان قد انفصل قسمه الجنوبي مسبقا، ولا تزال هناك مشاريع لمزيد من التقسيم فيه، وأن الفوضى تعم ليبيا، وكل شيء في هذه البلدان يشير أنها سائرة في هذا الاتجاه، وليس العكس؛ من أجل إخراج تلك الدول من معادلات التوازنات الإستراتيجية في المنطقة.
يقول - الأستاذ - عمر نجيب: إن الدعوات إلى إضعاف العرب، وتقسيم المنطقة إلى كانتونات عرقية، ودينية، وقبلية، كانت دوماً موضع مخططات، وتصورات استراتيجية لمعاهد البحوث الأمريكية، التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني، مثل: مؤسسة التراث، والمعهد الأمريكي لأبحاث السياسة العامة، ومعهد أبحاث السياسة الخارجية، ومعهد بروكنغز. هذا - إضافة - إلى العشرات من معاهد الدراسات الأخرى، مثل: مركز فريمان للدراسات الاستراتيجية في تكساس، والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، ومعهد دراسات السياسة، والاستراتيجية المتقدمة.
وهذه المعاهد طرحت دوماً أهمية الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، وإيجاد نظام إقليمي شرق أوسطي بدلاً من النظام الإقليمي العربي؛ فالكل يتذكر طرح شيمون بيريز بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م عن قيام شرق أوسط كبير، ينسجم مع هذه الرؤى، والاستراتيجيات الصهيونية. وهذا ما نادت به - أيضاً - وزيرة الخارجية الأميركية - السابقة - كوندوليزا رايس، عندما تحدثت عن ولادة شرق أوسط جديد في بداية العدوان الإسرائيلي سنة 2006م على لبنان، وأعادت الحديث عن نظرية «الفوضى الخلاقة» في منطقة الشرق الأوسط.
إن التعثر الذي يواجه مشروع الشرق الأوسط الجديد، أو الكبير، يثير قلقا كبيرا في الدوائر التي تتحكم في رسم السياسة الأميركية - خاصة -؛ لأن موسكو، وبكين، وقوى أخرى تسعى؛ للاستفادة من التعثرات الأمريكية، - وبالتالي - فإن إعادة تصحيح الحدود الدولية يتطلب توافقا لإرادات الشعوب، التي قد تكون مستحيلة في الوقت الراهن؛ ولضيق الوقت لابد من سفك الدماء؛ للوصول إلى هذه الغاية، التي يجب أن تستغل من قبل الإدارة الأمريكية، وحلفائها؛ من أجل تقسيم المنطقة على أساس طوائف، وأجناس، وأصول قومية، ومذاهب، وإعادة صياغة المنطقة باعتبارها فسيفساء من أقليات إثنية، ودينية، كما الحال في العراق - اليوم -، على أن يستمر بينها قدر من الصراع المعقول، الذي يمكن التحكم فيه من قبل القوى المهيمنة في المنطقة.