رقية الهويريني
أول ما يستيقظ الشخص الطبيعي من النوم يفتح النوافذ ليدخل الهواء النقي، وتتجدد أجواء غرفته، ثم يكمل فتح النوافذ الأخرى لنفس الغرض. فمنزل لا تدخله الشمس هو منزل مريض بلا شك!
وكيلا يتوقع أحد أنني أشرح أهمية دخول الشمس للمنزل وكأنني معلمة للصف الثالث الابتدائي!.. أوضح أنني شاهدت صوراً لمنازل دون نوافذ قام بتصميمها وتنفيذها بعض المتشددين وتباهوا بها بوصفها أكثر ستراً وحصانة وحشمة، فلا يطّلع أحدٌ من المارة أو الجيران على المحارم من النساء! بذريعة المحافظة والخصوصية السعودية المفترى عليها!.. مما قاد مغردون لتداول تلك الصور من المنازل وتناولها بسخرية وانتقاد!
ولخشيتي من تفشي هذا الأشكال الكرتونية من المنازل المغلقة بدون نوافذ والتي أشبه بالسجون، فإنني أشعر بحزن عميق من وصول فكر فئة من المجتمع لهذه الدرجة من الضحالة، وبلوغ بعض العقول لهذا المستوى من الضيق! وكأنه امتداد لفكرة وضع سياج من الحديد الممتد على ارتفاع الأسوار الشاهقة لدرجة تحولت كثيرٌ من منازلنا إلى قلاع محصنة، تحت هاجس أمني أو احترازي أو خصوصية مقيتة ارتبطت بثقافة المجتمع، وبالغ آخرون فيها إلى الانغلاق بطريقة مستفزة، فشوهت تلك الممارسات بيوتاً كانت مصممة على طراز حديث. ويبدو أن مفهوم الخصوصية قد طغى على بعض النفوس لدرجة الهاجس والخوف وعدم الثقة بالمرأة التي ستسكن المنزل، والريبة من الجيران، مما أدى للتنافر بينهم.
ويظهر جلياً تقاعس أمانات المدن والبلديات في هذا الخصوص، حيث ينبغي إلزام المنفذين بوضع نوافذ بعلو مناسب بحيث لا تكشف الجيران مع الاحتفاظ بخصوصيتهم المعقولة، وعدم الترخيص لهم بالبناء أو تسليم عداد الماء والكهرباء إذا لم تتوفر المواصفات الصحية ووجود نوافذ كافية وبطريقة هندسية مناسبة.
إن ترك تلك الفئات المتشددة تنفذ منازلها وفق فكر ظلامي ينبغي الوقوف أمامه بقوة مهما كانت المبررات، لأنهم يقودون المجتمع نحو التخلف، ويهيئون لظهور جيل قادم تعبث به الشكوك والهواجس الوهمية، مثلما ظهر فكر متخلف عندما نادى أحد الوعاظ بضرورة تغطية وجه الطفلة الجميلة بدعوى أنها ستكون «الطفلة المشتهاة»، وهو وأد للطفولة وقتل للبراءة. وأفرزت تلك الأفكار «السيارة المشتهاة» فظللت بالكامل، و»المنازل المشتهاة» فلا نوافذ لها!.
رحم الله الشاعر محسن الهزاني، وهو يصف منزلاً نجدياً يشعر أهله بالراحة والدعة والطمأنينة، وفيه نوافذ دون شكوك:
روشن (هـيا) له فرجتينٍ شمالا
وباب على القبلة وباب على الشرق!