د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** قبل أن يعرف صاحبكم أن في قدرِه حياةً مع الإعلام، وإذ كان - وقتها - حديث عهد بغربة وعضو هيئة التدريب ومسؤولًا في مركز التقنيات بمعهد الإدارة فقد اتصل بالأستاذ الكبير وردَّ أبو راكان - كما كان يكنَّى في غياب راكان الحقيقي ولعله نداء الفروسية والشهامة لفارس شهم - وعرَّفه بنفسه وطلب منه التعليق الصوتي على فيلمٍ سينمائي ينتجه المعهد عنوانُه : (نحو تنمية إدارية أفضل).
** لم يتردد في الموافقة فواعده أصيل يوم تالٍ واستقبله صاحبكم عند بوابة المعهد الرئيسة وأخذه إلى استوديو المعهد الواقع في أقصى الدور الثاني، وهو ما يتطلب مشيًا طويلًا على الأقدام، وتحدث معه عن إعجابه به هرمًا إعلاميُّا كبيرًا ومتابعته له، وحكى معه عن برنامجه (أبناؤنا في الخارج) الذي زار مدينة «سان دييغو»، حيث كان صاحبكم يدرس وعُرضت عليه المشاركة في إحدى حلقاته فاعتذر، وكان لهذه الدردشة دور في تجسير المسافة بين «الشيخ والمريد»؛ فصاراللقاءُ الأول مبتدأَ الودّ الأجمل.
** كان مخرج الفيلم أخًا عربيًا، ومعلوماته عن الكبير ماجد الشبل محدودة إن لم نقل معدومة، وصُدم صاحبكم والمخرج يوقف الأستاذ عن التسجيل ويطلب منه إعادة فقرات من «السيناريو» بأداءٍ مختلفٍ وبلغةٍ قصمت ظهر سيبويه وخلفائه إلى يوم الدين، وأومأ صاحبكم إلى المخرج أن: «لاتفضحنا.. الله يسعدك»، وانتهى التسجيل وخرج (ماجد) مغضَبًا وقال: لولا تقديري لك لتركت الاستوديو ومن فيه.
** طيب خاطره ببضع كلمات ورافقه إلى سيارته؛ ولم يكن صاحبكم على علم أن مثل هذه التسجيلات ذات مقابل مادي؛ فلم يطلب له مكافاة كما لم يسأل عنها أبو راكان، وحين عمل صاحبكم في الإعلام وأدرك أن لا شيء دون شيء فات وقتُ التعويض والاعتذار،ثم عشنا لنرى «سناب الصغار» بمبلغ و«الريتويت» بمبلغ، ويكفي أن يكون لأحدٍ متابعون كي يُدفع له ولو كان مجرد دميةٍ تتحرك بعبث وتكتب دون معنى، وكذا يلد كل زمن بنيه.
**موقف لم يخلُ من إحراجات، لكنه كان كافيًا لمعرفة هذا الأبيِّ عن قرب،ثم دنا منه قليلًا وسمع عن حكاياته ، وفيها إشارات نبله وكبريائه وترفعه ورفعته، وقُدر له أن يعرف أكبر أسباطه واسمه (ماجد) حين كان صاحبكم مسؤولًا في إحدى شركات ومدارس التعليم « الأهلي» مثلما زاره في منزله والتقيا في مناسبات قليلة لعل آخرها في منزل عميد الإعلام والدبلوماسية معالي الأستاذ جميل الحجيلان حفظه الله.
** «ماجد» أو محمد بن عبدالله المحمد الشبل رحل عنا منذ خمسة عشر عامًا حين أخلى مكتبه في التلفزيون وجلس قعيد بيته ووحدته وذكرياته وتواصل بعض محبيه، وجرت محاولات لاستعادته عبر ملف أُعد هنا وصفحات هناك، ولا يبدو أنه كتب مذكراته بسبب المرض مع أنه يحمل إرثًا مهنيًا وقوميًا قال عنه يومًا : («نجدُ» أبي و»دمشق» أمي وكلاهما شكَّل شراييني وأوردتي)، وكتب عنه صاحبكم - في الملف الذي قدمته الثقافية عنه قبل وفاته بأكثر من ثني عشر عامًا - (صفر 1425-أبريل 2004م):
«لم يجئ إلى الشاشة من باب الوسامة وهو وسيم ، أو بهدف الوجاهة وهو وجيه؛ فكان مثقفًا قبل الإعلام وإعلاميًا مع الثقافة ، وإنسانًا قبلهما ومعهما «...» ترجل الفارس ليعيش مع ابنته «سمر» وأحفاده مطمئنًا إلى أنه قد أدى دوره دون أن يتنازل عن قيمِه أو تتنازل عنه قمتُه ،وهكذا هم الكبار؛ يولدون كبارًا ويعيشون كبارًا ويبتعدون كبارًا « ويضيف اليوم : ويموتون كبارا.
** لعل مدينته «عنيزة» تكرمه بإصدار كتاب عن سيرته وندوة عن مسيرته ، وليت التلفزيون يوثق أعماله ويهيئها لمتابعيه، ونرجو ألا ننسى أن بيننا أكثرَ من «ماجدٍ» لا يتسول الاحتفاء.
** الرثاء لا يبرئُ الذمم