د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** الحياة سلامٌ داخلي وتصالحٌ خارجي ورضًا مع الذات وقبول من الآخر ما وسعنا السبيل دون السعي لخِطبة ود الجميع، ويُروى عن الرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون قولُه لبعض زائريه كما نقل نائب «عَوني» - نسبة إلى رئيس التيار الوطني الحر ميشيل عون-: من يُرضي الناس كلَّهم فهو فاشل» وهي مقولة لها مؤيّداتها في التراث الإنسانيِّ غير أن الاستشهاد بها من لبنان مؤشرٌ على واقعٍ تجاوز التنظير؛ فلا أحد هناك يُعجب أحدًا، بل قلَّ أن تجد لديهم معجبين مبدئيين دائمين لانفتاح الآفاق على مختلف المنافذ «المَعوية» و»الضدية» التي تتبنى خطاباتٍ داخليةً وخارجية متعارضةً لكلٍ منها داعموها ومنتقدوها؛ حتى لتجد المقدسَ في مكانٍ مدنسًا في سواه، والمقدَّر عند فئامٍ محتقرًا لدى غيرهم.
** ظننا الأمرَ خاصًا بهم، وقد كان كذلك قبل زمن الانفلات الرقمي الذي مكَّن كلَّ صوتٍ أن يبلغ أمداءً لا تنتهي، وجيرتنا الذين انتقدناهم يومًا صرنا مثلهم؛ فلا إجماعَ على شخوص أو نصوص أو مشروعات بالرغم من سعى الإعلام الرسميّ لتصوير هذا دون أن يمتلك مهارة الإقناع أو قوة التغيير.
** يموج العالم فتنداح دوائرنا في حراكٍ غير مستقر لا يتيح مسافاتٍ للرؤية الصافية التي تستطيع استشرافَ الغد بما يمنحها رضًا حوله ،ويمتدُّ القلق ليشمل الإنسانَ والمكان؛ فلا الأفكارُ تستطيع لجمَ الخوف ولا التنبؤاتُ توحي بالتهدئة ولا الجيل «الرقمي» واعٍ بتأثير الشراء من المتاجر المتناحرة في تشتيت ذاته وتشويه مرتكزاته.
** لم تعد القيمُ الخُلقية ولا الإيمان الغيبي متحكمين في السلوك القولي والعملي وقد حميا أجيالًا من الخلل الذهني واليأس المَرَضي والأزمات النفسية التي تفترض الشكَّ وتعزز سوء الظن وترى المعادلات المادية أصلًا في الارتقاء والانطفاء وتستعيد من تأريخنا أسوأ مراحله؛ فصار الأصل في ناسنا البؤس ومستقبلنا اليأس ولا ثقة بأحدٍ، بل ربما طال « الأحد»، وليهنأ النفسيون بسوقهم والساخطون بوقودهم والواردون بالمياه العكرة لا تصفو لظامئٍ ولا متوضئ.
** عشنا في زمنٍ كان معظم كتبته من الأسوياء وأكثرُ موجهيه من الأنقياء دون أن نعدم شذوذًا في القاعدة، وامتدَّ بنا المسيرُ إلى مسارٍ مناقضٍ؛ فلم تعد اللغةُ تشفع ولا العلمُ ينفع ولا السلوك يستقيم لصناعة الرمز من غير أن نفتقد الأتقياء، وصارت المساحاتُ البيضاءُ سوداءَ بمن يهتف ضد دينه وعروبته وبني أبيه؛ فتعادل النور والديجور، ووجدنا من يدعو - باسم المواطنة - لشقِّ الوطن، ومن ينادي- بصوت التدين - لضرب الدين.
** لم يكن «شمعون» مخطئًا فالناس أمزجة في المحاكمة والأحكام وتلك جِبلتُهم، لكننا نخطئُ حين نظن شرًا بالبشر مانحين هوامشَهم متنًا كي يهبوا العصمة وينزعوها ويأسروا البسمة ويئدوها،وأعان الله الراقين والمرقيين.
** السعادة استقلالٌ وإقلال.