د. عبدالحق عزوزي
هناك شخصيات كبيرة مرموقة تسدي خدمات جليلة لأوطانها وأهلها، وتبقى أسماؤها قرينة بأعمال الخير والتنمية والتشييد، ومما يثير الدهشة أن ما يمكنك أن تكتشفه عن هؤلاء ما هو إلا غيض من فيض، يجهله حتى الأقرب المقربون منهم لأنهم دائما أصحاب الظل الذين يعملون في خفاء وصمت يحتسبون الأجر على الله، وهنا أستشهد بما قاله أمير الشعراء:
تسدي الجميل إلى البلاد وتستحي
من أن تكافأ بالثناء جميلا
والسيد عثمان بنجلون من هاته الطينة، ويبقى اسمه مقترنا بالتنمية وحب الخير وبناء المدارس ومؤسسات الخير في المغرب وإفريقيا، فقد جعل مع حرمه من الثقافة والتعليم والتنمية المستدامة غاية وجودهما، إذ بنت مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية لحد الآن المئات من المدارس في العالم القروي في إطار برنامج طموح يهدف إلى بناء ألف مدرسة، ولا أتصور عملا يمكن أن يشكر عليه الإنسان مثل هذا العمل، فهو استثمار في العلم، والعلم نور، وهو استثمار ضد الجهالة، والجهالة عار، وهو استثمار في التنمية المستدامة للبلد، وهذه فريضة على كل مسلم، فالتاريخ وحده يمكن أن يحفظ لعثمان وزوجته هذه المكرمات التي ألهمهم الله عليها، ولهذا بفضل النبل الاجتماعي والروح الزكية والسجايا الكريمة، استطاع عثمان بنجلون أن يهب حياته في خدمة الوطن، وأن يتمتع دائما برضا وتكريم وتشريف كل من عرفوه وعاشروه ونهلوا من أخلاقه وكرمه وأناقته الفاسية الأصيلة وما الذي قلته إلا نزر قليل من كثير.
أقول هذا الكلام لأن السيد عثمان بنجلون، وحرمه الدكتورة ليلى مزيان بنجلون، حصلا بنيويورك، بالولايات المتحدة، على الجائزة المرموقة «روكفيلر بريدجين ليدرشيب أوارد»، وهو توشيح يكرم المجهودات والإنجازات التي حققتها مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية. ومنح هذا التوشيح المرموق ديفيد روكفيلر، رئيس مؤسسة روكفيلر وبيكي ديولاني - روكفيلر، رئيسة المؤسسة الإحسانية سينيرجوس، خلال حفل بهيج تم تنظيمه في نيويورك بحضور مئات الشخصيات الأمريكية والدولية التي تنتمي إلى عوالم السياسة والديبلوماسية والأعمال الخيرية والأعمال.
واسم بنجلون وعقيلته ينضافان إلى الحاصلين على هذه الجائزة المرموقة التي تم منحها، في دورات سابقة من هذا الحدث السنوي، إلى رؤساء دول سابقين (بيل كلينتون وعقيلته، ونلسون مانديلا...) وكذا إلى مقاولين ومحسنين على المستوى العالمي، كبيل وميليندا غيتس، وريتشارد برانسون وراتان تاتا (الهند) وكريم أغا خان وأيضا مايكل بلوبيرغ.
كثيرون يعترفون له بالخدمات العديدة التي أسداها لبلده، استحق عليها الثناء والتكريم من عاهلنا الكريم جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، الذي أنعم عليه بوسام رفيع، توج ما ناله من تقدير. ومثل أي مؤمن بالقيم الوطنية التي تسري في عروقه من أهل حاضرة فاس، فإنه تحمل تبعاتها بشجاعة وهدوء بل ونكران ذات.
هو رجل أعنز بأخوته، والجلوس معه يغنيك عن ألف رجل لأنه مدرسة تتكون فيها القلوب والأفئدة، وكلما جلست معه إلا وأستحضر فيه مضاء العزيمة ونكران الذات، وهو رجل يتمتع بقوة الذاكرة والذكاء في اختيار الألفاظ والمعاني والتحليل المنطقي للوقائع والأحداث والتنبؤ بالمستقبل؛ وهو من القلائل من رجالات الدولة المعاصرين الذين خاضوا زوبعة التنمية المستدامة من كل جوانبها وأجادوا فيها، وله يد طولى في التعليم والموارد البشرية، وخاض في التكنولوجيا، كما برز في باب الثقافة حتى إن مدينة فاس ومدنا أخرى تعيش على أوتار ما يدعم فيها من مؤسسات وأنشطة ثقافية قل نظيرها، وهو رجل يتمتع بفن التربية والتقويم والتعليم وأسلوب الخطاب والإقناع؛ فهو لا يسيء إليك الحديث إطلاقا؛ وإذا رأى فيك اعوجاجا أو خطأ فإنه يصححه لك ذلك باللين والكلمة الطيبة، ويظل متحدثا إليك وهو منطلق السريرة مكتمل البشرى بفطرته ووداعته وبسمته؛ وهو رجل يعيش مع الآلاف من الموظفين عنده وكأنه واحد منهم، حيث يشعرون بأنهم فعلا أكفاء ولا يلبثون أن يصبحوا مواطنين نافعين.. ودائما ما يقول لي إن العاطي هو الله وحده، وأننا عبيد الله فوق الأرض، ليذكر كل إنسان بهذا الكلام ويعي سبب وجوده فوق الأرض: العمل والعبادة وحب الآخر والإحسان والتوكل على الله في السراء والضراء، وهي مجتمعة من أصول الدين وعليها قامت كل الرسالات وعليها تبنى الأمم والأمصار، وعليها الخلاص لبني البشر.