محمد المنصور الشقحاء
عندما انتقلت إلى الرياض في مرحلة متأخرة من العمل الحكومي وطيب المقام بعد تقاعدي من العمل الحكومي بين أهلي مع أسرتي في الرياض (بعد هربي منها وقد كنت وحيداً يومها) لأستقر فيها اليوم مهووساً بالهم العام وناضجاً كأديب وكاتب رأي عام.
سكنت حي الوادي بشمال الرياض وشغلني حال المسجد الذي أصلي الجمعة فيه، وسكن الإمام وسكن المؤذن لم يكتملا حتى قيض الله أحدهم فأكمل سكن الإمام ولم يهتم بسكن المؤذن الذي حتى الآن مجرد بناء (عظم) تسكنه القطط وتصفر في فراغه الرياح.
وجاء من تبرع بتجديد وتوسعة المسجد كفاعل خير بشرط تبديل اسمه، فكان له ما أراد، وبقي سكن المؤذن يشكي ظلم الإنسان وفساد النية.
وكما هو حال هذا المسجد يعيش همه لم يكمل فاعل الخير المشروع ببناء سكن الإمام وسكن المؤذن بعد أن اختفى مقاول البناء قبل إكمال العقد واختفت معه دفعة مالية من التبرع، ولما جاء فاعل خير يرغب بإعادة بناء المسجد بمواصفات أفضل مع بناء سكن الإمام وسكن المؤذن رفض المتبرع السابق خوفاً على تبيدل اسم المسجد.
إذاً بناء المساجد اليوم لم يأت من خلال أحاديث نسيت أن الصدقة شاملة وليست مباهاة باسم على باب مسجد هنا أو هناك. في التراث تم التبرع لبناء المدارس وبناء سكن للطلاب المغتربين، وفي التراث الإسلامي تم بناء المستشفيات لمعالجة المرضى وبناء سكن للمرضى المغتربين، وشراء الكتب ووقفها.
وإلى وقت قريب كانت من أعمال الصدقة حفر بئر وتمهيد طريق وإباحة ثمار بستان وإيواء منقطع طريق (نجد هذه الصدقة في تاريخ بعض مساجد مدينة الطائف) إذا توسمنا فيه الخير والصلاح، كل هذا اليوم انقرض وعلقناه في عنق الدولة، ونصرخ أن الحكومة مقصرة في تأمين العلاج للمواطن وتأمين أماكن التعليم للمواطن وأن البطالة بالون شر داخله جرثومة إبادة.
وقال إخوة يوسف {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} (88) سورة يوسف، قال تعالى {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، وقال {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (271- 274) سورة البقرة.
الصدقة: فعل عام (وهي بخلاف الزكاة) يزرع الخير والبركة في المجتمع المتصالح مع نفسه؛ فهل نحن هذا المجتمع؟ أشك في ذلك، وقد أوكلنا الدولة من خلال الحكومة تنفيذ مطالبنا ونسينا أن الصدقة المأجورة باب من أبواب الجنة يفتح حتى ننعم بها، عندما أسهم كمقتدر ببناء مدرسة لنهل العلم في قرية نائية؛ أو المساهمة ببناء مستشفى في حي متكدس بالسكان يراجعون مستشفى بحي آخر.
الصدقة: فعل عام إذا أسهمت في تكاليف مد خطوط الكهرباء لقرى وهجر لم يصل النور إليها بسبب عجز في موازنة شركة الكهرباء، أو تكفلت بحفر بئر ماء وتمديد مضخاته لمكان يصل إليه الجميع أو بسعر مخفض.
هل كانت (زبيدة) وهي تمد الماء من العراق إلى مكة في طريق الحاج أفقه منا بمقاصد الشريعة أو تلك (الهندية) التي فتحت مدرسة لتعليم أبناء مكة المكرمة واستطاع ممثلها فتح فرع للمدرسة بجدة، وهل (المرأة) التي أوقفت الكتب في منطقة نجد كما جاء في كتاب الدكتورة دلال مخلد الحربي أعلم بمقاصد الصدقة من علماء الشريعة اليوم.
الدولة دام عزها تقوم بواجبها من خلال حكومة تباين أداء أعضائها؛ إنما نحن وخاصة من ميزهم الله بالرزق الوافر ماذا يقولون في يوم الميعاد (وجيرانهم وأهلهم في الوطن) وهم يسمعون قول الله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (24) سورة الأحزاب.
وهنا يأتي دور سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية وأعضاء الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء؛ وقد علق الجرس الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الجرس بزيارته للأحياء الفقيرة بالرياض تغمده الله بواسع رحمته وأصدر أمره ببناء (500000) وحدة سكنية للمواطنين، فهل نشعر بالمسؤولية!!