علي الخزيم
اكتسبت من طول مراقبة ومشاهدة عصافير وطيور الحي وحتى حيواناته الأليفة أثناء ممارسة رياضة المشي بمضمار الحي صباحاً معرفة بعض ملامح لغة العصافير وتفسير بعض مناوراتها وشقشقتها، كذلك تصرفات الحمام وبعض القطط التي يزيد مرحها أواخر سويعات الليل بعد أن جَسّتْ وجَاسَتْ بين حاويات النفايات والتهمت ما لذ وطاب من فوائض الأطعمة التي نقذف بها دون اكتراث قرب الحاويات، قد يستغرب احدهم من زعمي معرفة همسات العصافير، فأزيده أن لي معها صداقات بَنَيْتها مع مرور الزمن حتى يُخَيّل لي أنها تناديني باسمي، فأنا من حبي لها لا أقذف لها ما تساقط على سفرتي؛ بل أجلب الحبوب المعبأة خصيصاً لها، وأنثرها برحابة صدر في مكان آمن نظيف تعرفه هي، وهي تُعَبّر عن قلقها من دعاوى باطلة من (البعض) الذين يبررون إسرافهم بطبخ ما لا يحتاجون بأنهم يرمونه للطيور من باب الصدقة وتكريم النعمة، وقال عصفور فصيح: إن من يريد إكرام النعمة وشكر المنعم فعليه أن لا يطبخ إلا ما يمكن أكله، ثم لا يجعل البهائم العجماء حُجّة له في تبذيره ونكرانه للنعم، وأضافت حمامة كانت غير بعيد من دائرة الحوار: نحن لم نطلب منهم أن يتكفلوا بعيشنا فالله سبحانه كفيل بذلك، وكل ما نأمله أن يَكُفّوا عن الصاق التهم بنا ونحن براء منها ومما يزعمون، فلا حُجّة لهم علينا بأن يُحَمّلُوننا وزر إسرافهم وتبذيرهم، بزعمهم أنهم يرمونه لنا، فهذا تحايل على ضمائرهم أرادوا به أن يهربوا من ذنوبهم بإسرافهم، فالحق أن يتدبّروا ويُدَبّروا أمورهم، ثم إن فاض شيء بشكل طارئ فلا بأس أن يُقَدّم للطيور امثالنا ونحن نقدر ذلك، حمامة عاقلة وعصفور حكيم لا يضاهيهما سوى ذلكم القط المُجرب الذي أكد أن القوم لا يرمون من الزّفر إلاّ عظاماً بالية وشيء من نفايات اللحم بعد أن أزكمتهم رائحتها فتخلصوا منها ويطلبون بها الأجر من ورائنا، إلا يقدمون لنا ما يستساغ أكله قبل فساده ان هُمْ أرادوا بأنفسهم خيراً، وعَقّب بقوله: لا نطلب منهم ان يطعمونا غير أننا لا نحتمل بهتان دعواهم بهذه الحجج الواهية، فرزقنا ورزقهم على الله سبحانه، ومن تَصَدّق خيراً فليُحْسِن الصدقة، وقال قائل منهم: إن ما يزيد قلقنا من بني آدم هو شدة إسرافهم وتبذيرهم مع دخول الشهر الكريم، فمع انه شهر الصيام إلاّ أنهم يقلبون معناه ومفاهيمه إلى شهر للتباهي والإسراف وطبخ ما لا يلزم، ثم التسابق بعد منتصف الليل إلى حاويات النفايات لقذف فائض ماهدروه من صنوف المعجنات والمحشيات وأشياء لا نعرف تصنيفها طبخوها وهم جياع ظهراً، وبعد امتلاء الكروش بالمياه الملونة الضارة تركوها، والأعجب أن هذا الجنس من المخلوقات (بني آدم) لا يتّعظ ولا يستوعب الدروس، فهو يرمي هذه الفوائض من النعم الكريمة ليطبخ غداً أكثر منها ويكرر الخطأ، وهو على هذه السيرة الخاطئة منذ عشرات السنين، وزاد: (أفلا تعقلون)؟