علي الخزيم
حاولت جهدي وبكل طاقتي وعلاقاتي الشخصية وبما أمكن من نوافذ المعرفة أن أتعرّف على العلاقة بين السمبوسة واللقيمات وعدسات العيون اللاصقة، وعلاقتها بالحرّاثة والحصّادة الزراعية، أو بزيوت ومحروقات وعجلات السيارات وهذا على سبيل المثال، فمنذ رجب الماضي والعروض تنهال على هاتفي المحمول مُبَشرة بتخفيضات رمضانية (هائلة) كما تقول رسائل العروض لهذه المواد، وهذه الكلمة تذكرني بكلمة (رهيب) وأخواتها التي تستخدمها مواقع إعلانية بغير مكانها، ثم ما علاقة رمضان (وما علاقتي أنا) بالحَرّاثة وأدوات السباكة وعدسات العيون؟ فلا يمكن ان نُعِيد ذلك لجهل من المروّج المتخصص بهذه الصنعة والفن، فالحقيقة أنه تجهيل للمستهلك واستثمار لانسياقه وراء بريق الرسائل الواعدة بالتخفيضات والتسهيلات بمناسبة الشهر الكريم، تَعَدّت حيرتنا كمواطنين واندهاشنا من عروض الأطعمة والمشروبات الصبغية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بل إن ضررها أكثر من نفعها، وباتت مثل هذه العروض من المسلمات قبل الشهر الكريم، ولا غرابة أن تشاهد من يشحن (الوانيت) بمشتريات بآلاف الريالات ثلثيها سيُقْذف به في حاويات النفايات، وسيولة مادية باهظة سُلّمَت للمروج وتاجر الجملة على حساب مستلزمات أهم، ثم في منتصف الشهر نبدأ بالشكوى والتذمر بان الراتب لا يكفي، وان متطلبات العيد تنتظرنا لتمسح ما بقي من ريالات بالرصيد، أعياناً الفهم أن الشهر للصيام والعبادة وصحة البدن ووظائف الأعضاء، وليس للتخمة والتسمين وخزن السكريات والدهون من أخمص القدمين (أسفلها) إلى شحمتي الأذنين ثم بعد العيد نبحث عن واسطة لتسريع مواعيدنا عند طبيب السكر والضغط والكوليسترول، فلو تركناها عند المُروج لسلمنا وسلمت محافظ نقودنا.
هل في تاريخ العرب والمسلمين أنهم لا يأكلون مثل هذه المعجنات والمحشيات والمياه الملونة إلا مع هلال رمضان، كانوا يعلمون أنها مباحة في كل حين، ويدركون أن منها ما يضر مع الصيام فتركوها إلى ما يفيد، ولم يكن همهم كيف يأكلون إنما كيف يصومون ويَصِحّون ويعبدون ربهم على بصيرة، لم تكن العادات والتقليد الأعمى وزخارف المظاهر تخدعهم وتجرفهم إلى ما يصرفهم عن أهدافهم السامية، ونظرتهم الواثقة المتعقلة في أمورهم الحياتية.
في إحصاء نشرته (الجزيرة) دلل على أن 35 % من الغذاء هنا يتحول لنفايات منزلية؛ أي حوالي 13 مليون طن من المواد الغذائية وبقايا الأطعمة في مكبات النفايات، ويشير إلى إن شركةً استلمت نفايات مدينة كبرى لتدويرها اكتشفت أن (65%) منها أطعمة، وبلغ فائض الأرز الذي رمي بالنفايات خلا عام واحد (90) طناً قيمتها مائة مليون ريال، ويشير مختص إلى أن عدد الوجبات الغذائية المهدرة يومياً بإحدى المناطق أربع ملايين وجبة، ويؤكد بأن (إسراف البعض ومفاخرته أصبح ظاهرة اضطررنا معها لإنشاءِ جمعياتٍ لحفظ النعمة وإعادة الاستفادة منها مع أن بعض الناس بسبب جهلهم لا يتعاملون معها ولا يبالون بها، في إسراف يُخيف ويُنذر بالعواقب).
واقعنا الآن يدعونا بإصرار إلى التبصر ومراجعة سلوكياتنا الاستهلاكية والغذائية، بما يوائم دخلنا المادي ومتطلباتنا الأسرية والصحية.