د. حسن بن فهد الهويمل
قال لي متسطح إلى حد الجهل، ومتفائل إلى حد البلاهة:-
- أنت متشائم، ومحبط في مواجهة التيار؟، ومناقضة الإجماع.
- قلت: ولم ؟
- قال: أنت في مقالك [السقوط الذريع لكافة المنظمات الدولية] [الجزيرة 9- 2- 2016]، تقطع بفشل مؤسسات، وهيئات عالمية، يَعْمُر أروقتها، وقاعاتها كفاءات عالمية من مختلف أنحاء العالم، وفي مختلف التخصصات.
وهي تجتهد ما وسعها الاجتهاد، لفك الاشتباكات، وتخفيف الاختناقات، وتجفيف المستنقعات، وحقن الدماء، وتسوية الخلافات بالطرق السلمية.
وممثلوها، يجوبون الآفاق عبر مناطق التوتر في كافة أنحاء العالم، للحيلولة دون الانفجارات، وتدهور الأوضاع. وهم يمارسون ما يمارسون من أجل الإنسانية.
وكيف يسوغ لك الحكم الجائر، وأنت ترى، وتسمع ممارسات إنسانية، تسعى لتطويق الأزمات، والانتقال بالمختصِمين من سوح القتال إلى موائد المفاوضات.
وأحسبه قد تميّز من الغيظ، حين لم أكترث بما يقول، على الرغم من احمرار وجهه، وانتفاخ أوداجه.
لم أشأ الرد، فهذا الصنف من العاطفيين المخدوعين، لا يعدل بهم عما يرون إلا الحقائق الدامغة، والبراهين الساطعة.
وفيما أنا أفكر، وأقدّر في شأن ما يقول، بادرني مهاتفاً، يستنكر ما اقترفته [هيئة الأمم] بحق التحالف، في وضعها بالقائمة السوداء، لقتل الأطفال، والنساء.
وكانت لهجته عنيفة، واستياؤه شديداً، واستنكاره حاداً. فما كان مني إلا أن أعدت عليه ما كان يقوله من قبل، حول ما أرى من شك في مصداقية هذه المؤسسات، وحياديتها، وعدلها في المواقف. وإن تراجعت عن بعض مفترياتها فيما بعد مكرهة لا مختارة.
فأنا لم استغرب ما قالته الهيئة، وما ألغته. إذ هو متوقع من مثلها في ظل الانتصارات، والمبادرات، والخطوات الثابتة للمملكة في الكثير من ممارساتها: المحلية، والعربية، والعالمية.
ودول الاستكبار المهيمنة على سائر الهيئات، والمؤسسات الدولية يسوؤها تجاوز دول العالم الثالث حجمها المقرر، وطريقها المرسوم.
لقد تذكرت مقولة [بطرس غالي] الأمين الأسبق، حين سُئِل عن أسباب عدم ترشيحه لدورة لاحقة.
قال بمرارة:- [لم أتقن لغة التعامل مع أمريكا].
المؤكد أنّ لهذه المؤسسات، والهيئات حدوداً لا يجوز تخطيها. فهي مُسَيَّرةٌ، وليست مخيرة. ونطاق الحرية المسموح به لها لمجرد تلميع نفسها، وترميم سمعتها.
إنها مؤسسات، وهيئات تُمارِسُ [خوارطَ طريق] مرسومة بإحكام لمسيرة العالم الثالث. وقلَّ أن تمارسَ دولةٌ ناميةٌ سيادتَها بحرية تامة، وبإرادة وطنية.
دول الاستكبار تريد للعالم الثالث أن يظل في مستوى مقدور عليه. وكل دولة تحاول التغريد خارج السرب، تُفْتح ملفاتُها الساخنة، وإن لم تكن في مستوى الإنهاك دُبِّرَتْ لها ملفات مفتريات.
مثلما فعل [مجلس الشيوخ الأمريكي] في [أحداث سبتمبر]. ومثلما فعلت دول أخرى حول [مذابح الأرمن، واليهود].
وإذا كانت هناك وثائق في مذابح [اليهود] و[الأرمن] فإنّ دعوى [الحادي عشر من سبتمبر] خالية من أي وثائق، فهي كاذبة بكل المقاييس.
ومع هذا طُرِحت في محاولة غبية لإرجاع المملكة إلى مربعاتها الأولى. وتلك، وما قبلها محاولات يائسة، بائسة، مصيرها مزبلة التاريخ.
وهيئة الأمم حين افترت الكذب حول أحداث اليمن، فإنها تظل تفتريه، وتناقض نفسها في مواقع كثيرة.
ما أوده من الإعلام العربي، والإسلامي أداء ما يجب عليه، والتوجه إلى الهيئات المسيرة، ووضعها أمام خطيئاتها السافرة.
لقد قلت عن تلك المنظمات ماهو ماثل للعيان، ومعهود ذهني، لا ينكره إلا مكابر. فهذه المنظمات تقول ما لا تفعل، وتفعل ما تستنكر، وتَعِدُ وتُمَنِّي، وما تعد المغلوبين إلاّ غروراً.
دول الاستكبار - في النهاية - ليست شرطياً على مفترق الطرق، إنها بكل ما تملك من مؤسسات استشارية، ونيابية، وأسلحة فتاكة، تنظر إلى مصالحها الآنية، والمستقبلية، وتعمل على حبس طرائدها، لتكون في متناول اليد.
فهي تبيع السلاح، وتقدم المشورة، وتدعم مناطق التوتر عسكرياً، و [لوجستياً] حتى ينهي الطرف المدعوم مهمته المرسومة له، والمؤدية إلى توفير المصلحة، وإرجاع الطريدة المتمردة إلى مربعها المسموح به.
لقد مارس الغرب كافة الوسائل للسيطرة على [العالم الإسلامي السنِّي]، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل. إذ كلما شارف على الانتصار، تداعت إمكانياته، وقويت شوكة خصمه.
وأحسبه اليوم بكافة مؤسساته، ومنظماته يريد أن يجعل بأس المسلمين بينهم شديداً. ولهذا نثر ملفاته، كما ينثر أحدنا كنانته، ووجد أن هناك خلافاً عقائدياً، وعداوة تاريخية بين [المجوس الرافضي] و[العرب السنِّي]. ومن ثم دعم [الطائفية الشيعية]، ونثر الطعم للأحلام [الصفوية]، فحقق من خلال تلك الخديعة مكتسبات لا تقدّر بثمن.
فهو يبيع الأسلحة التقليدية المكدّسة في مصانعه بأغلى الأثمان، وهو يشتري خامات العالم الثالث بأرخصها. وهو يُحَرِّض الطائفيات، ويدعم بعضها، حتى إذا شارف المدعوم على الانتصار، نكص على عقبيه، ودعم المترنح، لكي يأخذ أنفاسه، ويعيد خصمه إلى مربعاته الأولى.
وهكذا دواليك. والهيئات والمؤسسات تنفذ هذه الخرائط، وتلك [الأجندة].
ودول التحالف العربي عندما شارفت على النهاية المشرفة، وحققت الانتصارات:- الحسية، والمعنوية. وهو ما لا تريده دول الاستنكار، حُرِّكَتِ الأصابعُ المتحكمةُ بـ[مسرح الدمى] بالشكل الذي تريده.
وإلا فأين الهيئات، والمنظمات من حمامات الدم في [العراق] و [سوريا] وكافة مناطق التوتر؟.
- وأين هي من الأحوال المتردية في مناطق متعددة؟
لقد مارست دول التحالف مهماتها وفق قرارات هيئة الأمم، ودعمت الشرعية المباركة من كافة الدول العربية، والإسلامية.
والضربات التي نفذتها لم تكن همجية، بل هي محسوبة بكل دقة. فيما يمارس المخلوع، والحوثيون أبشع صور القتل، والتدمير، والإفساد، وتجنيد الأطفال، واتخاذ الأبرياء دروعاً بشرية.
وبما أنّ المصالح، و[الأجندة] تقتضي توازن القوى، واستمرار التناقض، فإنّ هيئة الأمم بقرارها الساقط بكل المقاييس تخطو خطوة مشبوهة، لإطالة أمد الحرب، وتمكين غير الشرعية من أخذ أنفاسها، واستعادة بعض ما فقدته على مسرح الأحداث.
وتلك خليقة ممجوجة، تفقد المصداقية، وتُسقِط الأهلية.
ورسالتنا لـ[بان كي مون]، ومن معه صرخة [طوقان]:-
ما جَحَدْنا أفْضَالَكمُ، غَيْرَ أنَّا
لَمْ تَزَلْ فِي نُفُوسِنَا أمْنِيَّةْ
فِي يَدَيْنا بَقِيَّةٌ مِنْ بِلادٍ
فاسْتَرِيحوا كَيْلَا تَضِيعَ البقيةْ