د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** كثيرًا ما حكى صاحبكم عن معادِلي «التربة والتربية» الحاسمين في تكوين شخصياتنا أمام أنفسنا وأمام الآخرين؛ فمن تحكمُ تعاملاتِه أخلاقٌ راقيةٌ فإن جذوره ممتدةٌ في غراسٍ طيبٍ، كما أن حياته محكومةٌ بضوابط حازمةٍ، والضدُّ بالضد، وقد بات يسيرًا معرفة الناس أصلًا وفصلًا عبر كلماتهم ولقطاتهم التي يُوْدعونها الفضاء الرقمي، وقل: بم تغردُ وماذا تبثُّ نقلْ لك من أنت!
** الحضور في كل الوسائط مُشرع لكن المشروع: كيف وبمَ ومتى ولمَ وأين؟ وهي أسئلة خمسة ما برح الإعلاميون يطرحونها ويضيفون إليها سادسًا عند صياغة الخبر وعرض المعلومة، وما تزال هذه الاستفهاماتُ ذاتَ دلالة لمن شاء إبراء ذمته ومنفعة أمته، وبات ملحًا العناية القصوى بتدريب النشء على كيفية التفاعل الإيجابي وسط هذا العالَم المائج كي لا نجد جيلًا ثرثارًا يصحو ليغرد ويغفو ليصور وينام وحصيلته ضجيج فارغ ويتوهم أنه بلغ السماء «مجدًا وجدًا»؛ فالأضواءُ التي تغري تعرِّي، والسامرُ الذي يحتفل سينفَضُّ، ويومًا سيبقى المرءُ دون صدىً يعزيه ولا مدىً يتراجع فيه وأمامه كما خلفه تربةٌ متسخةٌ وتربيةٌ منفلتة.
** باتت الوسائط صبوحَ الدنيا وغبوقَها؛ فإذا كان عدد المستخدمين النشطين «شهريًا» - وفق إحصاءات 2016م- لـ»فيسبوك» أكثر من مليار ونصف المليار، ولـ»إنستغرام» من ثلاث مئة وخمسين إلى أربع مئة مليون، ولـ» تويتر» أكثر من ثلاث مئة وعشرين مليونًا، ويقال إن تطبيق «سناب شات» قد بلغ مستخدموه مئة مليون وفي ازدياد متسارع، فإن قرابة ثلث العالَم يتواصل عبرها، ولو أضيفت الوسائط الأخرى كالـ»واتساب وتيليغرام ولاين ولينكد إن وبريسكوب» ونحوها فقد يكون نصف سكان الأرض المتجاوزين سبعة مليارات يتنفسون عبر هواتفهم وأجهزتهم الحاسوبية.
** نخلص من الرقم المدقق إلى الحقيقة الموثقة؛ فالتربة والتربية لم تعودا كافيتين إذا لم يسندهما المنهج التعليمي والبرامج الإعلامية والمنتديات المنبرية والخُطب الدينية والأحكام القضائية كي لا نجد الوطن مخترقًا والفكر محترِقًا والناس مضطربين بفعل التصنيف والأدلجة والأقلمة والضمائر المؤجرة والقلوب المريضة، والاستهانةُ بما يجري اتكاءً على حرية الرأي رغم تزايد المنضوين داخل هذا العالم الهائج سيعني تفكيكًا لبناءٍ غضٍ لم يكد يتجاوز مناوشات الحدود حتى واجه معارك الوجود.
** يبقى بعضنا وفيًا لتربته وتربيته، ويعتمد بعضنا الإثارة والاستثارة خارج مبادئهما، وتتداخل دوائر الصراع حافزةً الصامت كي ينطق والناطق كي ينتطق، ونتساءل عما يحمله الغد لأجيال متطلعةٍ تود أن تعيش في سلام! لا ندري غير أن سماتنا السلوكية تبدلت كما لا نتمنى، واختُصرت الاستفهامات الخمسة بسؤالٍ عن سُعار المتابعين أو أسعار المعلنين، وليتهم حاسبوا الخائضين ورشَّدوا الشادين وأفهموا الغافلين أن الكلمة قد ترنو بذويها إلى العُلا كما قد تهوِي بهم إلى القاع.
** السعيد من أعدّ واستعد.