د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** للشيخ الجليل عبدالعزيز ابن باز كتاب لطيف طُبع بعد وفاته - رحمه الله - بعشرة أعوام (1430هـ)، وهو أقرب إلى أن يكون « مفكرةً « شخصيةً أملى فيها الشيخ تراجم موجزةً عن بعض الشخوص البارزة ممن ألِفهم أو عرفهم وأسماه: (تحفة الإخوان بتراجم بعض الأعيان) وقد رتبه واعتنى به الشيخ الفاضل عبدالعزيز بن إبراهيم ابن قاسم وشرح في تقديمه حكاية الكتاب كما أبرز خطة ممليه وهدفَه منه ونوعيةَ من ترجم لهم وتأريخ بدئه (1380هـ) وتوقفَه (1415هـ)، وكان آخرُ من حكى عنهما الشيخين صالح الخريصي وعبدالرزاق عفيفي رحمهما الله.
** الكتاب صغير فلا يعد كتابًا في التراجم، بل سجلًا لطيفًا لبضع وستين فائدة في سبع وسبعين صفحة عدا الفهارس، واحتوى إضاءاتٍ عن بعض الأعلام الذين رأى الشيخ توثيق وفياتهم وجوانب من حياتهم وعن عدد من الأحداث المهمة التي اقتنع بتأثيرها، وقد أملاه في فترات متفرِّقة، ولفت نظرَ صاحبكم تأني الشيخ في الحكم على المُعيَّنين ممن سمع عنهم ولم يتسنَّ له التيقنُ من أحوالهم؛ إبراءً لذمته أمام أمته.
** في الفائدة الأربعين تحدث الشيخ ابن باز عن حرب اليمن الأهلية بعد ثورة 1382هـ التي أطاحت بالإمام محمد البدر وموقف الحكومة المصرية «الناصرية» الداعمة لحركة المشير عبدالله السلال، وختم الشيخ أماليَه حولها بسؤال الله «أن ينصر أقرب الطائفتين إلى الحق وأن يخذل أبعدهما منه وأن يحسن العاقبة للمسلمين».
** لم يسر ضمن التيار السائد ولم يقف كما وقف العامة والإعلام حينها فقادته بصيرته إلى هذا الدعاء الشافي الذي لا ينتصر لذاتٍ ولا لتوجهٍ ولا لفريق، ومن يقدر على مثل هذا إلا رجلٌ صفت نيته لله وحده فلم يُزايد ولم يزد، وبقي دعاؤه نهجًا يسير عليه من يرغبون البعد عن مواطن الشبهات فلا يُفتنون ولا يَنفتنون.
** وفي الفائدة «الثامنة والأربعين» وثّق الشيخ وفاة رئيس الهند الدكتور ذاكر حسين وأشار إلى أدائه الحج وإلقائه محاضرةً في الجامعة الإسلامية باللغة الأردية وتأكيده على انتشار الإسلام بالفعل أكثر من القول، وتضارب تفسير بعض أقواله بين المترجمين، مثلما أبان رأي بعض أهل العلم في عدم إفادة المسلمين من ولايته بسبب ضعفه وتركز السلطات في يد رئيسة الوزراء، ثم دعا الله «أن يتغمده برحمته إن كان صادقًا في إسلامه»؛ فكأنه احتاط لضميره أن يثني عليه بصورة مطلقة بعدما وردت روايات مختلفة حوله.
** استبرأ الشيخُ لدينه فوزن كلماته بدقةٍ لا يعيها إلا من آمن أن لديه «رقيبًا عتيدًا» يحصي ما يقول ليواجهه بها يوم لا يجدي التبرير ولا التفسير؛ فاللهم احمنا من زيغ القلب والعقل واللسان والقلم.
** الكلماتُ دينٌ مُسترد.