د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
* روى الأصفهاني في الأغاني عن بشار بن برد أن جريرًا استصغره فلم يبادله الهجاء مغلقًا دونه باب الانتشار في زمنٍ احتفل أهله بالنقائض، ولو ردَّ عليه لضمن بشار موقعًا متقدمًا في عمرٍ مبكر، وهذه حكاية كثير من الساعين خلف النجومية ؛ يبحثون عن الطريق الأسرع إليها، وفيما كنا نقرأ عن أوراق مشابهة لأزمنة فائتة تطاول فيها صغارٌ على كبار بهدف الاشتهار فإنها اليوم صارت وسيط الباحثين عن حضور صاخب لا يرتبطُ بنوع العطاء بل بصخب تأثيره، وبالأخص ما يمسُّ المقدس وما يتعلق بالشخوص والنفوس.
* كان جرير حكيمًا حين أعرض عن بشار مثلما فعل غيرُه ممن أقفلوا الطرقات أمام النكرات الذين يودون التسلق على حساب القيم المعنوية والذوات الاعتبارية، وتوالت الحكايات بعدما صارت المعلومة تنتقل بمعادلة ضوئية ولا تحتاج إلى مثل أبي الفرج كي يرويَها.
* كلٌ يختار لمسيرته ما يشاء والزمن كفيلٌ بتعظيم هذا وتقزيم ذاك ،وذكر إنسانٍ ونسيان سواه، غير أن المؤلم في الموضوع قفز بعض الرقميين على التاريخ والجغرافيا بصورةٍ تشوه قضايانا الوجودية كما الحدودية دون اعتدادٍ بمسارات الأمة المفصلية؛ فقضية فلسطين- مهما مر أو يمر بها من تحولات - لا يمكن أن تصبح مجالًا للمساومات وإن قُبلت التهدئات والهدنات والتسويات المؤقتة، والحِراب الفارسية لن نفهمها يومًا على أنها مزاح عابرٌ بين جيرانٍ جمعهم قدرٌ جغرافي، مثلما لن نأذن لتوقيت خارجٍ عن السياق أن يَعدَّ احتلالًا عنصريًا بغيضًا جيرة جغرافية تحت إملاءات البَأس وقفار اليأس وإغراءات البؤس، ولن نعدو الحقيقة لو قلنا إن كل ما نعيشه من فتنٍ وإرهاب وتخلف وصراعات سيبدأ في الانحسار حين تتحرر كل فلسطين ويعود الأشقياء من حيث أتوا.
* لا خيال هنا ؛ فالأمة لا تموت مهما سمح الواقع العربي للمقامرين من السياسيين والباحثين والإعلاميين بحظوةٍ مؤقتة اغتالت أرواح أجيال قضت أو تنتظر كما فعل السادات حين كسر أحلامَنا ولم يبدل اقتناعاتنا وإن خلَّف ألف «أنورٍ» وأنورا.
* يشتهر كثيرون دون إنجاز إذ يكفيهم « تمويجُ الراكد»، ولا حلَّ لإنهائهم، غير أن من يود الانتشار على حساب الأفراد سيُطمرُ ويُنسى ،وشأنه أقل من أن يُلتفت إليه، وتجاهلُه كفيل بإعادته إلى حجمه، لكن المعضلة فيمن يُتاجرون بغد الأمة أو يرقصون على دمائها استجلابًا لأضواءٍ تحقق لهم موقعًا أو تخلق لهم إيقاعًا، وكما فعلوا في فلسطين يفعلون مع طغاة دمشق وبغداد وصنعاء وذيولِهم «العلقمية» تملقًا وترفقًا وتبريرًا ومؤازرة، كما يتماس آخرون مع المقدس عقلاً ونقلاً أو يُسوقون للمدنس عُرفًا وظَرفًا استجلابًا للأضواء دون أن تكون الحريةُ هدفهم والعلمُ سندَهم والحقيقةُ هجيراهم، ويتجاهل الأكثرون أن من اليسير أن يكون أحدُنا رقمًا ومن العسير أن يصبح ناتجًا ذا دلالة.
** الشهرةُ سرابٌ في يباب.