عبد الله باخشوين
زمان كان لدينا في ((تلفزيون المملكة العربية السعودية)) مذيع له صوت جهوري مميز ينتمي لمدرسة تلك الأصوات الخاصة التي اعتدنا سماعها في إذاعة ((B.B.C)).. هذا المذيع هو المرحوم الأستاذ ((سمير شما)) لكننا لم نكن نستطيع سماعه في تقديم نشرات ((الأخبار)) أولاً لأن شكله لا يصلح للتلفزيون مطلقاً وطريقة قراءته لـ((النشرة)) ليست بمثل طلاوة أصوات مذيعينا ((الشبان)) أمثال ((بدركريم)) و((محمد حيدر مشيخ)) الذين يتنافسون في جودة قراءتهم و((طلتهم)) أيضاً.
لكن بعد فترة من الزمن اكتشفنا أن الأستاذ ((سمير شما)) لديه طريقة خاصة ومميزة في التعليق على البرنامج الأسبوعي ((المصارعة الحرة)) تلك الطريقة.. أعجب بها وانشكح لها ((الشيوبة)) قبل الشباب.. وأصبحت لديهم مشاهدة ((المصارعة)) لا تكتمل متعتها إلا بصوت سمير شما.. فقد ابتكر طريقة جديدة في التعليق تعتمد على ترجمة الكثير من المصطلحات والوصف الذي يرد بصوت المعلق الإنجليزي في ((الأصل)) الذي لا نسمعه نحن وهي طريقة انتشرت لدينا في أسلوب وصف وتعليق المرحوم ((أكرم صالح)) الذي أدخل الكثير من المصطلحات العلمية التقليدية خصوصاً في التعليق على ((سباقات الخيل)) التي كان المعلق المحلي ينقلها لنا بكثير من التهليل والزعيق والصراخ.
ومن سمير شما فهمنا الكثير من أسرار المصارعة خاصة في المباريات ((الرباعية)) التي يتكون فيها الفريق من ((مصارعين)).. حيث يقدم الفريق المميز مصارعه القوي القادر على تحمل كل الضربات العنيفة للخصوم.. ويستمر تواجده على ((الحلبة)) حتى ينهك الفريق المقابل تماماً.. ويصبح هو في حال يرثى له.. قبل أن يمد يده لزميله الذي كان يقف متفرجاً على ما يحدث.. فيدخل ((فرش)) بحماس شديد على خصوم منهكين وينهي المباراة لمصلحته.
وبترجمته للمصطلح الإنجليزي عرفنا أسماء ((المسكات)) و((الحركات)) العادية والخطرة التي تنتهي باستسلام المنازل الخصم..وكان ((شيوبتنا)) يصيبهم الغم والنكد عندما يذهب الرجل في إجازة ويتم التعليق على المصارعة بصوت مذيع بديل.
وبعد أن وصل جهاز ((التلفزيون)) لبيتنا أصبحت أمي ((حميدة)) التي اعتادت الجلوس معي للمشاهدة.. أصبحت - من أجلي - تتحمل مشاهدة اثنين.. صوت ((فيروز)) التي كانت ((منوعاتها)) تقدم بكثافة.. وبرنامج المصارعة الحرة الذي كنت أعشقه.. أما صوت فيروز فقد كانت تكتفي بالتعليق عليه قائلة:
- كلامها حلو.. لكنها الله يهديها تزعق.. وما تغنى برواق زي سميرة توفيق..!؟
أما المصارعة.. فأنا أسمعها تتفاعل مع صراخي وزعيقي لتشجيع اللاعب الذي أشجع.. فتصرخ معي وتهلهل وتشجع.. لكنها بعد أن تنتهي ((المباراة)) تظل حائرة للحظة ثم تسألني بفضول من يستقصي مزاجي وليس المباراة:
- ها.. بشر من غلب..!؟
لكنها من عشاق المسلسلات البدوية.. وأن كنت أعتبر أن ((التلفزيون)) قدم لي خدمة كبيرة جداً.. لأنه لاشيء كان يعادل سعادة ((حميدة)) وهى ترى بـ((أم عينها)) الممثل الكوميدي الشهير ((عبدالعزيز الهزاع)) الذي كان يقدم للإذاعة برنامجه الشهير ((يوميات أم حديجان)).. تهلل وتكبر.. وتسمي بالرحمن بعد أن تأكدت بما لا يدع مجالاً للشك.. أن كل أصوات مسلسل ((أم حديجان)) تخرج من حنجرته وهو يقف ليقدم فقرته على ((مسرح التلفزيون)).
أما الشيخ ((علي الطنطاوي)) فهي لم تكن تفهم شيئاً مما يقول.. لا هي ولا حتى ((الشيوبة)) الذين أعرفهم.. ولم يكن هناك أحد يتابع برنامجه الشهير سوى نحن ((الشباب)) لأنه يتحدث بطريقة محببة وخفيفة في كل شيء.. حتى في الموسيقى.. وكنا نرى أنه مثال للمثقف الشامل.