مكة المكرمة - خاص بـ«الجزيرة»:
قال معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد عضو هيئة كبار العلماء، إمام وخطيب المسجد الحرام: إن بلوغ رمضان نعمة كبرى، يقدرها حق قدرها الصالحون المشمرون، وإن واجب الأحياء استشعارُ هذه النعمة واغتنام هذه الفرصة، وأنها إن فاتت كانت حسرةً ما بعدها حسرة، أي خسارة أعظم من أن يدخل المرء فيمن عناهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بحديثه على منبره في مساءلة بينه وبين جبريل الأمين: «من أدرك شهر رمضان فلم يُغفر له فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين»، مؤكداً أن بلوغ الشهر أمنية كانت يتمناها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويسألها ربه حتى كان يقول: «اللّهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان». ولا شك أن العمل الجد لا يكون على تمامه ولا يقوم به صاحبه على كماله إلا حين يتهيأ له تمام التهيؤ، فيستثير في النفس همتها، ويحدوه الشوق بمحبةٍ صادقة ورغبة مخلصة.
وأبان معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد أن غاية الصيام تقوى الله -عزّ وجلّ-، المتمثّل فيها الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، تقوى صادقة دقيقة، يترك فيها الصائم ما يهوى حذرًا مما يخشى، ولئن كانت فرائض الإسلام وأحكامه وأوامره ونواهيه كلها سبيل التقوى، فإن خصوصية الارتباط بين الصيام والتقوى شيء عجيب. وأشار د. صالح بن حميد على أن رمضان المبارك شهر التقوى، وموسم عظيم للمحاسبة، وميدان فسيح للمنافسة، تصفو فيه نفوس من داخلها، وتقترب فيه قلوب من خالقها، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وتكثر دواعي الخير وأسباب المثوبة، والصائمون المتقون لا يزالون في صلاة وصيام وتلاوة وذكر وصلة وإحسان وجدٍ وعملٍ، فاطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات ربكم، فخيركم من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله.
وشدد د. صالح بن حميد في حديثه قائلاً: فتشوا عن المحتاجين من أقربائكم والمساكين من جيرانكم والغرباء من إخوانكم، لا تنسوا برهم وإسعادهم، أشركوهم معكم في رزق ربكم، اذكروا جوع الجائعين، ولوعة الملتاعين، وعبرات البائسين، وغربة المشردين ووحشة المهجرين، واسألوا في شهر التقوى والمحاسبة: هل قام بحق التقوى من بات شبعان وحوله جائع يستطيع إشباعه فلم يفعل؟! وهل قام بحق الشهر من رأى نفسًا مؤمنة بائسة يستطيع إسعادها فلم يفعل؟! وصوموا حق الصيام لعلكم تتقون، ومن يتق الله يكن معه، ومن كان الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، وإذا كان الله معك فمن تخاف؟! وإذا كان عليك فمن ترجو؟!