الخير في وطننا الحبيب يبدو مثل النهر الجاري، فلا يزال يستمر من عهد الوالد الملك الموحِّد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه -، وحتى العصر الحاضر في ظل قيادتنا الرشيدة، التي أدركت أهمية عمل الخير وتأثيره في المجتمعات، وقدرته على غسل أفعال الناس بماء السلام والأمان والطمأنينة.
وعلى مدار الزمن نهجت المملكة خطاً رائداً وأسلوباً متميزاً وآلية فريدة في تعزيز أوجه العمل الخيري، وتمكنت من النجاح في تبديل مساره إلى عمل مستدام بتأثيره، وثقافة راسخة رسوخ الجبال لدى جميع أفراد المجتمع، إذ تمنح المملكة العمل الخيري عناية كبيرة، وذلك بجعله قيمة إنسانية يستند على البذل والعطاء بكافة أنواعه، وأضحت مملكتنا اليوم من الدول القليلة، التي حوّلت مضمون الثروة إلى فكر ومشاركة إنسانية تحيط العالم بأكمله.
الخير في المملكة صار منهج حياة تمارسها المؤسسات في هذا الوطن، سواء أكانت حكومية أو من القطاع الخاص، التي تعمل اعتماداً على قاعدة «الخير بالخير»، فلا تكاد تتوقف عن مد يد التكاتف والتعاضد إلى الدول، وأبناء المحتاجين في اتجاهات الأرض جميعها، من دون النظر إلى دين أو عرق أو جنسية أو لغة، وهو ما يبرز في عملية «مسام» التي يواصل عبره وطننا الحبيب تقديم الدعم اللازم للشعب اليمني الشقيق، لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام، بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية الإغاثية والغذائية التي يتم إرسالها يومياً إلى اليمن، عن طريق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.
هذا التواصل يظهر تجربة المملكة الفريدة في مأسسة العمل الخيري والإنساني، فقد كانت من أوائل الدول التي هبَّت إلى تنظيمه عن طريق وضع جميع الأطر التشريعية والتنفيذية التي تمنحه المرونة وسرعة التحرك، ولعل تكريم رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، القائد الأعلى للقوات المسلحة في الجمهورية اليمنية الدكتور رشاد محمد العليمي، مؤخراً، مشروع «مسام» لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام، ممثلاً بمديره العام أسامة بن يوسف القصيبي، خير دليل على تميز النهج.
وهو بالتأكيد اختيار وافق أهله؛ فمشروع «مسام» توجّه خيري كبير، حمل مشروعاً تنموياً وإنسانياً في غاية الأهمية، مشروع اتكأ على جهود السلام في اليمن، وتجذّر فيه ليلامس الرجال والنساء والأطفال اليمنيين العاديين من المخاطر التي تشكلها الأجسام العسكرية غير المتفجرة والقذائف الصماء بالقرب من منازلهم أو في الطرقات، التي زرعتها المليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني، التي أسست للصورة التي تبدو عليها المبادرات السعودية الرائدة في مساراتها الحالية، وعلاقات بعضها ببعض لنزع الألغام.
«مسام» مشروع ملهم، انطلق من حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمين - حفظهما الله -، صوب اليمن عام 2018م من بوابة شهر يونيو، وأنجز خلال الست السنوات الماضية بهمة وكفاءة ودرجة عالية كل المهام التي أوكلت إليه في مختلف الأماكن التي اتجه إليها، إذ ترك بصمات واضحة للمنجزات التي تحققت، التي أصبحت اليوم شواهد ومعالم بارزة لتقدُّم المشروع في تلك المحددات، وازدهارها، فقد استطاع حتى اليوم تطهير 55.393.442 متراً مربعاً، وانتزاع 436.759 لغماً وعبوة ناسفة وذخيرة غير منفجرة، بينها 6.495 لغماً مضاداً للأفراد و144.026 لغماً مضاداً للدبابات و278.220 ذخيرة غير منفجرة، إضافة إلى 8.018 عبوة ناسفة.
ومع كل هذا التاريخ الذي امتد إلى 6 سنوات من الإبداع الخيري والتميز الإنساني لمشروع «مسام»، أتذكر كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في خطابه السنوي عن السياسة الداخلية والخارجية للمملكة والذي ألقاه بمناسبة افتتاحه لأعمال السنة الثالثة للدورة السابعة لمجلس الشورى السعودي، قال: «وقوفنا مع اليمن واجب وليس خيار»، وأتذكر أيضاً كلمة سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، عند توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، في قصر اليمامة، «المملكة ستكون معكم كما كانت دوماً، وسنواصل السعي لتحقيق تطلعات الشعب اليمني».
وختاماً، أسأل الله- جل وعلا- أن يحفظ وطننا، وأن يبعد عنه كيد الكائدين والمتلونين والأشرار، وأن يديم عزه ومجده ورفعته، وأن يبارك في مبادراته وعطاءاته، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد لما فيه الخير.