رنَّ جرس الهاتف! أسرعت كعادتها للرد دون أن تمنح المتصل وقتاً للانتظار!
مرحبا، معكم قسم المرور بالمنطقة، ونود معرفة هل (أحمد...) من عائلتكم؟ وهل تعرفونه؟
فهذا الرقم كان ظاهراً على شاشة جواله!
تصمت لبُرهة، ونبضها يتسارع، والخوف بدأ يعصف بأركانها، والأفكار تتلاطم في عقلها!
تبلع آخر رشفة من ريقها، وشفتاها ترتجفان ويداها ترتعدان، لتجيبهم: بنعم، إنه أخي.
يباغتها صوت الرجل: (لقد وقع له حادث مروري، وعليكم التوجه للمشفى: (......).
تُفلت من يدها الهاتف، ولا تعلم كم صرخة أخرجت؟ تفقد توازنها، لتسقط على الأرض، قوة الصدمة كانت مؤلمة...!
كما نُقش في ذاكرتها فاجعة شهر أُغسطس في اليوم السابع عشر المُحزن، ومساؤه الأليم.
تُفيقها إحدى النساء التي جذبها صوت صراخها، ولا تعلم أنها لا تزال تحت وقع الصدمة، تنتفض للاتصال بعائلتها لتخبرهم، أو ربما لتسألهم!
ما لبثت والدتها طويلاً، لترد عليها بكل شوقٍ: أهلاً حبيبتي.. هنا تتوقف عن الكلام تسأل نفسها هل أخبرها..؟ لا، لا، لا يمكن فهي لا تعلم، وتستأذن موهمةً انشغالها بأمر ما لتغلق الاتصال، وتبحث عن شخص آخر لعله يُطمئنها، ببذرة أمل صغيرة باقية في قلبها، والحزن يعتصرها والألم يطحنها لكن لا فائدة، فلا أحد يُجيبها.
تتوقف عقارب ساعتها عن الدوران، ترى اللحظة بدأت تطول، والقلق والخوف والألم يُنهكها..
مرت ساعتان من الانتظار المرير!
يرن هاتفها للمرة الثانية!
تُسرع للرد، لعلها تجد ما يبعث السكينة في قلبها، لكنها الصاعقة!
ها هي آهات أخيها، وتنهداته وصُراخه، نعم، لقد مات، مات أخي، لا يمكن، لا تكاد تصدق
لقد كان قبل ساعات معها، قبل برهةٍ أكل معها، مازحها عند الظهيرة، وضحك كثيراً بصورة غير عادية!
أنت تكذب، هذا لم يحصل!
وتفقد القدرة على كل شيء..
فالزلزال الذي ضرب أركانها، وهز ثباتها جاء مفاجئًا... وكأنه كابوس لم تستطع تصديقه حتى رأته بأم عينها مُغطى بالرداء الأبيض!
نعم، هذه ثياب الأموات!
لن يعود، ولن أراه بعد الآن ... وأظلمت الزوايا جميعاً، واختفى صدى ضحكاته، وأصبح المنزل خالياً رمادياً بلا روح!
مكثت سنوات طويلة تسمع صوته، وتراه في كل شق، وفي كل زاوية، فقد كانت ذكرياته أمامها أينما ذهبت....!
رحل النور...!
رحل الفرح..!
رحل الأبيض النقي...!
رحل باكراً!
** **
- زايده علي حقوي