أن تكون شاعرًا هو أمر في غاية البساطة! خصوصًا في عصرٍ مثل عصرنا حيث يعيش الكثير من الشعراء والقليل من الشعر. أما أن تكون شاعرًا عظيمًا فهذا هو الأمر الذي سيدخلك إلى التاريخ ويضمك إلى رفقةٍ مشرّفةٍ من فلاسفةٍ مفكرين وعشاقٍ يرقّ لحديثهم الحجر ومقاتلين شجعان، كلهم صنع مجد نفسه بموهبةٍ آسرة!
(لكن أن تكون عبدالواحد.. فهذا أمرٌ لا يحدث إلا لواحد).
أن تكون فيلسوفًا شاعرًا كعبدالواحد! فهذا الأمر الذي يتوقف التاريخ عنده. قلةٌ من الرجال يتوقف عندهم التاريخ مشدوهًا، متأمّلًا، مأسورًا بشاعريةٍ لم يسبق له أن عرف مثلها..
شاعر الجنوب الأكبر وملك شعرائها وسيد مجالسها وفارس ساحاتها.
في الوقت الذي كان فيه الأقران يجتمعون عند (الدكان) يتسامرون ويحلمون بالمستقبل البعيد هناك في المدن الكبيرة. كان الشاب عبدالواحد بن سعود في عرضة شهيرة في غابة رغدان يحقق أحلامه الخاصة. (لوحده) بموهبته الشامخة وشجاعته المأثورة يجابه وحوشها المفترسة وأبطالها الأشاوس الذين خلدتهم المواقف المشهودة جبالًا لن ينساهم التاريخ شعرًا ورجولةً.
منهم الغويد بلا شك.. محمد الغويد أحد الفرسان المهابين في ساحات الشعر في الجزيرة العربية كلها..شاعر عملاق كالغويد رحمه الله يجب أن تقرأ المعلقات السبع، بشروحها، وخفاياها، ودروسها قبل أن تفكر في الرد عليه.. هنا أتى عبدالواحد الشاعر الذي وُلد كبيرًا ولم يعرف للطفولة طريقًا فكيف يعرفها وداخله ذلك الشاعر العملاق الذي تعلّم وتتلمذ على يد شاعر لم تعرف المنطقة مثيله وهو والده سعود بن سحبان الذي ملأ الدنيا شعرًا وأدبًا وحكمة.. هكذا يتوارث الأكابر أمجادهم: كابرًا عن كابر!
وهذا هو الورث الحقيقي الذي يُرهق أكتاف الرجال.. وليس المال
(من نشأ عالجميل و من تشيّخ ضِرِي)
ما جعلني أكتب هذه المقالة نشوة شعورٍ انتابتني عندما قرأت خبرًا قبل أيام رسم على وجهي الابتسامة.
(عبدالواحد بن سعود الزهراني يتحصل على درجة أستاذ بروفيسور.. ألف مبروك).
لا أعلم، لماذا شعرت بأنه أنا من تحصل على الدرجة.. وكم مثلي شعر بهذا الشعور.. فعبدالواحد الرجل الذي كان ولا زال أنيس سهرنا وحديث مجالسنا وسيفنا الذي نذب بكلماته عن وطننا العظيم وعن قبائلنا ولأنه كان، فقد كنا نحن، ولا زلنا أوعية قصائده ورواة أخباره وجمهوره الكبير.. وكم من مجالس شهدت نقاشات حادة ندافع فيه عنه لسنواتٍ طوال وكأننا ندافع عن أنفسنا..
نعم لقد تحصل عبدالواحد على درجة الأستاذية الأكاديمية اليوم، لكنه، وفي أعيننا، وفي كتب التاريخ، وفي أخبار الرواة، وفي دواوين الشعر وساحات الوغى. (لقد تحصل عبدالواحد بن سعود الزهراني على درجة الأستاذية منذ أول بيت شعرٍ كتبه).
أما أنا، لو كنت شاعرًا! لتوجهت إلى القبلة وسجدت شكرًا وحمدًا لله بأن عبدالواحد اعتزل.. فالساحة ساحته والمكان مكانه وبالتأكيد، كل الأزمنة تنتمي إليه..
أنت نبيل حتى في رحيلك يا عبدالواحد!
فها هم الشعراء يتقاسمون بينهم ما كان لك وحدك.
يقول دكتور الشعر
(إذا شفت البحور تفيض ولاّ زاد فيها الزود..
أوقفها بكفي لين ترجع في منابعها)
كفانا خوفًا من المجتمع.. كفانا جبرًا للخواطر:
نعم عبدالواحد هو سيد الشعر المعاصر بلا منافس..
همسة
ما كان همه يكسب إعجاب واحد
لكن كسب إعجاب كل الجماهير
** **
- سامي الحُريري