شعرت السيدة لولوة بالتهاب حاد في عينيها فذهبت مع ابنها الصغير إلى مركز متخصص
للعيون قريب من منزلهم ...
قامت موظفة الاستقبال بفتح ملف لها وتحويلها إلى عيادة الدكتور خالد العبد العزيز
أخذت الممرضة العلامات الحيوية ثم سلمت الملف للدكتور خالد، وحين قرأ اسم لولوة المحمد ارتبك بعد ما عرفها إنها الحب الذي كان..!
طلب الدكتور خالد من السيدة لولوة الجلوس على كرسي الفحص، فجلست لولوة على الكرسي وأشاحت الخمار عن وجهها والتقت العيون بالعيون، صرخت لولوة صرخة حاولت تخفيها أهذا أنت خالد العبد العزيز؟! أنت هنا طبيب عيون يليق بك أن تكون طبيب قلب،
خالد كيف أنت؟
وظل خالد صامتًا...لولا ثرثرة عينيه باحت بمكنون قلبه قطرات من الدمع ما استطاع جليد الصمت والصبر أن يجمدها!
قال خالد بصوت مبحوح: لولوة أرجوك أن تتوقفي عن الكلام فقد مضت بنا الأيام وكل واحد
منا ذهب في طريق... وأنياب المسافات الشاسعة التهمت خطوات القرب بيننا!
تنهدت لولوة و قالت: صدقت تلك مشيئة الله سبحانه وتعالى.
أنت الآن طبيبي وأنا المريضة ولكنني أخاف أن أكون أنا الداء الذي يصيبك ويؤلمك! خالد دون الحاجة إلى استخدام منظار العين ونوره الساطع أرى يا دكتور أن عينيك
مريضتان ...أنت مصاب يا عزيزي برمد الضياع والفقد الذي زاد من عتمة دروبك!
سيدي إني أرى صورتي وأنا على كرسي الدموع في عينيك وكأني أرى صورتي أمام مرآة غرفة نومي الفرق يا سيدي أن مرآة غرفتي حولها عشرات العطور وأنا في عينييك دمعك هو عطري الوحيد!
قال الدكتور خالد: أرجوك لا تتكلمي حتى أستطيع أن أجري فحص شبكية العين!
عزيزتي لولوة إن الكلام حين مات بيننا بات أشد صمتًا من الصمت!
قالت صدقت مات الكلام بين قلوبنا سوف أصمت وأبتلع جمر الكلام ولكن كن حذرًا وأنت
تفحص عينيي حتى لا تجرح من أسكنته فيها، هل تعلم من فنتازيا جنوني أخاف عليك من قلم كحلي كخوفي من السكين أن يجرحك وأنت بين الأهداب تختبئ!
تبسم خالد حسنًا سوف أكون حذرًا وأنا أفحص الشبكية، وأحب قبل أن أبدأ.. أن أخبرك عن جنون لدي فنتازيا غريبة ...أقول لك وأنا بكامل قواي العقلية كلمات قابلت أحد من أهلك وأقاربك أحاول إخفاء نظراتي عن نظراتهم خوفًا من أن يروك في عينيي بين الأهداب فراشة بين الازهار! لولوة أختي الغالية...!
ضحكت لولوة قائلة حلوة من فمك كلمة أختي ليت الأيام التي تغير اللغة تغير المشاعر!
نظر إليها الدكتور خالد وقال: لولوة أرجو أن تكوني سعيدة في حياتك، هزت رأسها بنعم اطمئن أنا سعيدة بحياتي وأعلم أن هذا يسعدك، زوجي رجل رائع يحبني كثيرًا وأبادله الود والاحترام.
حين تقدم لوالدي ليخطبني قبلت به بعد أن أكد لي والدي أنه ذو دين وأخلق، وقلت لوالدي قبلت به وليس عندي شروط سوى شرط واحد أقوله عند عقد النكاح!
وحين سألني المأذون هل لديك شروط ...قلت شرط واحد!
هو أن يكون تسمية مولودي الأول حق لي دون سواي!
فقبل العريس وطلب توثيق الشرط ...وتم ذلك!
وقد بدأت الدهشة على والدي والعريس ووالده والمأذون والشهود!
تنهد خالد وقال لن أسألك لماذا كان هذا الشرط منك لقبول الزواج حتى لا أدخل موسوعة
جينيس كأغبى قلب في العالم!
نظرت لولوة إلى خالد.. وهمست له: ليتك تعلم أنني أدعو الله في كل سجدة السعادة ورحة
البال لك ...أمنيتي أن يرزقك الله الأنثى التي تملأ حياتك بهجة بعد كآبتك وحزنك.. التي تنسيك بنعيم حنانها سعير حنينك إلي!
خالد دعني أساعدك.. أبحث لك بنفسي عن عروس تليق بك!
ماهي مقومات جمال العروس التي تريد أن ترتبط بها؟
أتريد شعرها أسود وطويل وناعم مثل ليلنا الذي كان وهمساتنا فيه!
تريدها بيضاء ممشوقة القوام وجهها شمسك وظلك في النهار وقمرك في الليل وأنيسك؟
تريد عينيها كعينيي غزال كحيلة بلا كحل؟
خالد ...أرجوك امنحني الفرصة كي أعبر لك بعقلي عما أشعر به تجاهك، دعني أمزق كفن حلمنا الضائع منا الذي تتوسده في وحدتك ...أريدك تتوسد ساعد أنثى جميلة وتكسو قلبك العاري بشعرها الفضفاض وفيض دلالها!
وحين تعود متعبًا تعانقك براحتيها وبعينيها وتنسيك متاعبك!!
خالد ...لا تخف لن أخدمك مجانًا!
بل أريد مقابل ذلك شيئين ...أن أكون أول المدعوين لحفل زفافك ورغم صعوبة ذلك سأكون
أول الحاضرين وأكثر النساء أناقة إنها فرحة العمر لأخت بأخيها في أحلى ليال عمره !
الشيء الثاني إذا رزقك الله مولودة أسمها لولوة، قال خالد: أقدر شعورك النبيل يا أختي لولوة ولكن!
بعدك أختي كل الشواطئ بحر...لو لفيت العالم كله لن تجدي امرأة تنطبق عليها مقولة سمعتها
ذات مرة أريد امرأة كأمي تحبني لذاتي، حين سمعت لولوة كلام خالد أجهشت بالبكاء.. وقالت خالد أيها الغواص المسكين إن اللؤلؤ الذي كان معك وأمام عينيك وبين يديك استعاده البحر منك ليطفو ويجنيه غيرك!
اقترب منها خالد وقال انه قدري واعطاها المنديل لتمسح دموعها!
وبعد صمت الحبيب والحبيبة.. والطبيب والمريضة.. والأخ والأخت قام الدكتور خالد ليبدأ فحص الشبكية وقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال الحمد لله الشبكية سليمة سأكتب لك قطرات للالتهاب والجفاف داومي عليها بانتظام، والأسبوع القادم لك مراجعة مع الدكتور مصطفى عبد الرحمن قي العيادة المجاورة!
قالت لولوة بنبرة بها استغراب وعتاب لم يا دكتور خالد لا أكمل علاجي عندك؟
لم يجيبها الدكتور خالد كأنه لم يسمعها التفت على ابنها مداعبًا ما اسمك يا بطل
قال: أنا خالد ...قال الدكتور: وش ودك تكون طيار، مهندس، معلم، ضابط؟
قال خالد لا يا دكتور أريد أن أكون طبيبًا مثلك ولكن طبيب قلب، فتبسم الدكتور وقبل رأس الطفل خالد وأخذ السماعة من عنقه ووضعها في عنق الطفل هدية، مني لك يا دكتور المستقبل
اهتم بقلب أمك دائمًا إن قلبها يستحق أن يكون القلب الأول في حياتك!
اقتربت لولوة من الدكتور خالد وفي عينيها عتاب المحبين سألتك ولم تجبني لماذا لا أكمل
علاجي في عيادتك..؟
قال خالد: لولوة حبيبتي وأليفتي وأختي أحلت ملفك لطبيب آخر لأن المريض لا يداوي مريض
وأحياناً أيكون فراق الأحياء أشد قسوة من فراق الأموات لأن الممكن والمستحيل لا ينفصلان
الممكن، اليوم الممكن كان حلمًا لنا تحقق والأحلام قد لا تتحقق دائمًا!
أمسكت لولوة بيد خالد ابنها لتغادر العيادة وعند الباب التفتت إلى خالد والنظرات في عناق
وقالت بصوت مجهد: خالد ما حيلتنا والتضحية قتلت الحب رأيتك اليوم يا أليفي تنزف لوحت
له بيدها وهي تتعبر وتردد وداعًا يا أعز الناس أنت...
قطرة الوداع
نهاية الحب بدايته
** **
عبدالعزيز حمد الجطيلي - عنيزة
email: ayamcan@hotmail.com
twitter: @aljetaily