في أعماق منطقة عسير، تتردد أصداء حكاية تنبض بالحزن والإنسانية، تروي قصة أمير وقلب إنسان، الأمير تركي بن طلال، وعلاقته المؤثّرة بالمسنة دينا الأسمري. هذه المرأة التي عاشت حياتها وحيدة بعد أن فقدت زوجها ولم ترزق بأبناء، حتى جاءها ابن لم تلده، أمير بحنانه وإنسانيته.
كانت دينا الأسمري تعيش في عزلة موحشة، أيامها تمر بثقل، لا ترى في الأفق سوى ظلال الوحدة. لكن الله قدم لها هدية ثمينة عندما اقترب منها الأمير تركي بن طلال، حاملاً دفء الأبناء الذين لم تحظ بهم وحنان الأب الذي فقدته وعزوة الإخوان الراحلين. كان يزورها بانتظام، يحمل لها الأمل والطمأنينة، يسأل عن حالها، ويطمئن قلبها بوجوده. قبل عامين افتتح الأمير منزلها الجديد بنفسه، ليكون لها ملاذًا دافئًا في سنواتها الأخيرة.
لكن الأقدار لم تكن رحيمة بدينا. أصابها مرض شديد، أدخلها في غيبوبة طويلة. لم يتركها الأمير تركي ويكتفي بما قدم، بل كان يتابع حالتها بقلق الأب الذي يخشى على ابنته وخوف الابن المتفطر فؤاده. وأمر بعقد اجتماعات دورية لمتابعة حالتها مع أطباء مستشفيات بللسمر وعسير ومستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، وكان يتابع كل تطور في حالتها بقلق وحب كبيرين.
وفي يوم الجمعة، 5 يوليو 2024، أغمضت دينا الأسمري عينيها للأبد، تاركة خلفها قلب أمير مكسور. فحضر الأمير تركي جنازتها ونظر إليها النظرات الأخيرة ووداع ابن يعتصر قلبه لرحيل من كانت تناديه يا ابني ويناديها يا أمي، حمل نعشها بيديه، وكأنه يحمل أثقل أحزانه. لم يكن هذا وداعًا عاديًا، بل كان وداعًا لأم روحانية، قدر له أن يودعها بنفسه. لم يتوقف وفاء الأمير عند هذا الحد، بل وجه بنصب مخيم للعزاء في قريتها بين قبيلتها بسدوان بللسمر، واستقبل المعزين له في رحيلها، ليجسد أسمى معاني الوفاء حتى بعد رحيلها.
وفي أحد المجالس الإنسانية التي تشَّرفت بحضورها في مجلسه العامر، روى أحد الأوفياء الذين مد لهم الأمير تركي يد العون، قصة تفيض بالألم والامتنان. ذكر هذا الوفي كيف وقف الأمير تركي بجانبه في أحلك أوقاته حتى تجاوز مصيبته. وأخذ يسردها أمامنا ممتزجة بمشاعره وفيض مدامعه وارتفاع صوته بالدعاء، والله، لم يستطع كل من سمعها أن يمنع دموعه كل الحاضرين في المجلس لعظم المصيبة وما وقع على الضحية وموقف أمير الإنسانية. تلك القصة التي رفض الأمير تركي أن تُروى، رواها صاحبها أمامنا بوفاء وعرفان، مذكرًا بموقف إنساني لا يُنسى.
هذه القصة ليست مجرد حكاية عن أمير ومسنة، بل هي شهادة على إنسانية الأمير تركي بن طلال. هو ليس مجرد أمير منطقة، بل إنسان يمتلئ قلبه بالحب والرحمة. أعماله الخيرية وخدماته الإنسانية جعلته رمزًا للوفاء والعطاء.
في النهاية، تبقى قصة الأمير تركي ودينا الأسمري محفورة في قلوبنا، تذكرنا دومًا بأن أبناء عبدالعزيز وأحفاده لا يحملون فقط أعباء الحكم، بل يحملون أيضًا قلوبًا تنبض بالحب والرحمة لأبناء شعبهم.