(بين العلم والمعلوم) وبيان خطأ طريقة بعض مدعي العلم والثقافة:
العلم شيء عظيم، بل هو أعظم ما في الدنيا، وللخلق به احتفاء وفي قلوبهم له مكانة كبيرة وقلما تجد عاقلا يجهل قدر العلم وإن كان الأغبياء يقدمون المال على العلم وهؤلاء هم ورطة العالم اليوم أو من أكبر ورطاته!
بيد أن هناك علما وهناك دعاوى ظاهرها العلم وهي زيوف لا تعدو أن تكون تجميعا للحروف والكلمات تحت دعوى حرية الفهم وحرية التعبير وحرية النقد وغير ذلك من المصطلحات البراقة المحرفة عن جادتها الصحيحة إن كانت لها جادة صحيحة، وهنا يبرز لنا سؤال مكين جدا في موضوعنا وهو: كيف نفرق بين العلم وبين ادعاءات العلم التي نسمع نقيقها، بل ضجيجها مما أثار الاشمئزاز بخلطه في خلطة غير صحية بين العلم وعدوه الجهل!
قلت: لعل الجواب النافع هو أن نعرف حقيقة العلم وأنه إدراك يجده المتعلم في نفسه لواقع صحيح يسمى (المعلوم) فإذا تطابق المدرك الإنساني مع المعلوم الواقعي أو الحقيقي فهذا الإدراك هو العلم أما إذا كان الإدراك صادرا من قناعات عقلية أو آراء شخصية أو انطباعية لم يتأكد مدعيه من براهينه التي توصله للحقيقة التي هي (المعلوم) فهذا ليس بعلم، بل هو إما جهل واضح أو عناد أو فوضى كلامية تقود إليها شهوة أو هوى إن صدر من غير عالم أو هو اجتهاد خاطئ إن صدر من عالم!
فلو سألت شخصا وقلت له: هل استقبل المسلمون في صلاتهم قبلة غير الكعبة؟! فأجاب مجيب من غير بحث ولا نظر بالنفي (لا)، بل اعتماد على الحال المعروفة المستقرة فهذا جهل لأنه قال قولا يدعي أنه علم لكنه لم يتبع معلوما واقعيا حيث إن المعلوم الواقعي هو عكس ما يقول، والشيء نفسه لو كان السؤال طبيا أو هندسيا أو غير ذلك وجاء على غير ما هو معلوم.
ومن هنا نعرف ضلال البعض الذين يعرضون مسائل العلم على عقولهم من غير بحث ولا نظر في موافقة إدراكاتهم للمعلوم الواقعي، بل يتكلمون في التصورات والسلوكيات خصوصا في مجال الأسرة والقضاء والتشريع من منطلق قناعاتهم وأمزجتهم ويسمون هذا علما!
فأين مطابقته للمعلوم؟ بل أين وسائلهم التعلمية لإدراك هذا المعلوم؟!
بعض المعاندين منهم يقول: وسيلتي هي عقلي. وهذا جهل فاضح بالعقل وبوظيفته، كما أنه جهل بمعنى العلم الحقيقي الذي يلزم فيه أن يتبع معلوما فالعلم يتبع المعلوم وليس العكس، بل كون العلم يتبع المعلوم هذه مسلمة عقلية يؤمن بها جميع البشر دون استثناء!
ومع ذلك فهذا مخطئ في فهم وظيفة العقل فإن العقل من باب السمع والبصر كلها أدوات للإدراك لكنها غير منتجة بنفسها بمعنى: أن السمع لا ينتج مسموعا معدوما فلو كنت في مكان لا حس فيه فلن تسمع وكذا لوكنت في سدفة أو ظلمة فلن تر فكذلك العقل لا ينتج بنفسه لك علما ولكنه أداة تنظر فيه لإدراك معلوم وإلا فالمعلوم خارج العقل كما أن المسموع خارج السمع والمبصر خارج البصر!
وبقي علينا أن نبين كيف ندرك المعلوم الخارجي على الوجه الصحيح ليتحصل لنا علم نافع في الدين والدنيا.
أتعرض لذلك إن شاء الله في مقال لاحق. والحمد لله رب العالمين.
** **
سليمان بن ضيف الله اليوسف - كلية الشريعة والقانون بجامعة المجمعة