الملك فهد وعشرينية البناء
د، عبدالعزيز بن عبدالله السنبل

لا شك أن المغفور له الملك عبدالعزيز بتوحيده وتأسيسه للمملكة العربية السعودية قد دخل التاريخ كأحد أعظم الملوك في التاريخ العربي والعالمي، وأكثرهم رجاحة عقل وسداد رأي، وهو إذ يجمع هذه الصفات فإنه قد عمل على تنشئة أبنائه تنشئة تضمن لهم السير على خطاه والاستلهام من تجاربه الفريدة في مجالات السياسة والملك فكانت أيام كل من خلفوه من أبنائه أيام بناء وعطاء وتوحيد، غير أن الشأن الذي بلغته المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز «حفظه الله»، قد تجاوز كل التصورات فلقد بادر الملك فهد منذ لحظاته الأولى في السلطة إلى تطبيق برنامج متكامل شمل كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية،
وتنبع الطبيعة المتكاملة لبرنامج الملك فهد من خلفية إيمانية عميقة، وحس ديني متين، وهكذا لم تكد تمر بضع سنين على تولي الملك فهد مقاليد السلطة حتى عمد إلى التشرف بخدمة الحرمين الشريفين والاتخاذ من هذه الصفة لقبا لملكه القوي بالله وأحلّ هذه الصفة محل لقب صاحب الجلالة الذي كان يوصف به من قبل،
وهو بهذا العمل إنما تواضع لله خدمة للحرمين فرفعه الله بذلك إلى أسمى الدرجات وألزمه التوفيق والتمكين والسداد في كل ما قام به من أعمال جليلة أدخلته التاريخ من بابه الواسع وجعلته كوالده في مصاف الملوك العظام، البناة للحضارة والمرسخين لسامي القيم، فالمملكة العربية السعودية قد ظلت ترفل في نعيم الرقي والازدهار منذ أن تولى ملكها فكانت أيامه أعياداً وعشرينيته بناء وإنشاء وتعميراً، وتبوأت المملكة في عهده أرفع مراتب الرقي والنماء، واحتلت بين الدول المرتبة السامية الجديرة بها،
فهو من أراد لها أن تظفر بالوئام الداخلي لأبنائها من خلال ما تمتعوا به من حقوق مادية ومعنوية تساووا فيها بكل عدل وإنصاف دون تمييز أو حيف لفرد ولا لجامعة أو لجهة بل إن الجميع متساوون في الحقوق وفي الفرص دون إقصاء أو تهميش وكانت آراء الجميع مسموعة ومشورتهم مطلوبة والأخذ بها سجية من سمات حكم خادم الحرمين الشريفين، فهو من أحيا مجلس الشورى وأعطاه الوسائل المادية والأدبية التي بوأته المكانة اللائقة به كمؤسسة شورية إسلامية من الطراز الأول تتمتع بالاحترام والقوة على إبداء المشورة على النحو الذي يعود بالنفع على المملكة وشعبها، ولم تكن سياسة خادم الحرمين الخارجية بأقل توفيقاً من سياسته الداخلية فقد طبعت دبلوماسيته الهادئة والرشيدة كل صنوف العلاقة التي تربط المملكة بإخوانها في العالم العربي والإسلامي بل مع شركائها وأصدقائها في العالم قاطبة مما بوأ المملكة المكانة المرموقة بين دول العالم كدولة ذات وزن كبير ورأي مؤثر وسديد يرجع إليها في كل الأمور التي تهم السلام والتنمية في العالم، وهكذا ظل رأي المملكة في كل الأمور السياسية العالمية مدار احترام من طرف الجميع ووزنها السياسي له ثقله الكبير سواء أكان ذلك على المستوى الإقليمي العربي أم الدولي، ولذا فقد لعبت المملكة دوراً كبيراً في انشاء مجلس التعاون الخليجي واستمراريته وعلى المستوى العربي فلقد لعبت المملكة دوراً رئيسياً في تفعيل دور الجامعة العربية وتعزيز العمل العربي والإسلامي والدولي المشترك من خلال دعم المنظمات والأجهزة العربية التابعة لها الأمر الذي مكن هذه المنظمات من القيام بأدوارها خير قيام،
كما كان للمملكة الأثر الأكبر والحاسم في حل كل الأزمات التي شهدتها المنطقة العربية وكل ذلك بفضل بعد النظر والحكمة الفائقة التي يتمتع بهما خادم الحرمين الشريفين، ولذا فقد جعل «حفظه الله» من حل القضية الفلسطينية بما يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه هدفه الأوحد ولعل العالم كله يعترف له بما أنجز في هذا السبيل والمجهود الدبلوماسي المتواصل الذي بذله الملك فهد «حفظه الله» من أجل حل القضية الفلسطينية، كان دائماً مصحوباً بمجهودات مماثلة لإنصاف المظلومين والمقهورين في جميع أنحاء العالم ويشهد بذلك شعوب جنوب القارة الافريقية الذين يعترفون لخادم الحرمين الشريفين بدوره البارز في نيلهم حقوقهم،
وعلى المستوى الداخلي في المملكة العربية السعودية فإن انجازات الملك فهد أكثر من أن تحصى أو أن تعد في مقال قصير كهذا بل إن مجلدات عديدة لا تعطيها حقها ولكن أقل ما يمكن أن توصف به هو كونها شكلت طفرة في كافة مجالات الحياة فما شهدته المملكة طيلة العشرين سنة الماضية، بفضل الإرادة الفاعلة لخادم الحرمين الشريفين وبمتابعة لا تكل من طرفه انجازات قد انتقلت بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة في العالم ومكنت شعبها من التمتع بكل سبل الرفاه والعيش الرغيد،
ونحن هنا لا يمكننا أن نحصي ما تحقق للمملكة خلال العشرينية الماضية وذلك في كافة الميادين الحياتية من اعمار للحرمين الشريفين أو في التعليم والصحة والتنمية الزراعية والنهضة الصناعية وقطاعات النقل والمواصلات والانشاء والتعمير ورعاية الشباب وفي مجالات البحث العلمي وعلوم الفضاء، فبأي هذه المجالات يمكن للمرء أن يبدأ وفي أيها يمكن له أن يحصي انجازات الملك فهد فمهما عددنا من منجزات في كل مجال على حدة فإن ذلك لن يعدو أن يكون غيضاً من فيض ما تحقق فيها بفضل المولى عز وجل ومن ثم إرادته «حفظه الله»،
ويكفينا هنا أن نستشهد بما تم من أعمال توسعة الحرمين الشريفين إذ سيذكر التاريخ للملك فهد أنه صاحب أكبر توسعة للحرمين الشريفين في تاريخهما وبأن الفضل يرجع له في جعلهما على قدر من الرحابة يمكنهما من استقبال ملايين المسلمين في لحظة واحدة وصعيد واحد، فالله نسأل أن يكون ذلك من الأعمال المدخرة له عند الله وأن يفسح الله له بهما في عمره وصحته وأن يقر عينه بسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وباقي اخوانه وأبنائه الغر الميامين إنه سميع الدعاء وأن يعيد عليه ذكرى بيعته مراراً وهو والعائلة المالكة الكريمة والحكومة الرشيدة والشعب السعودي النبيل في موفور الصحة والعافية، إن الله سميع مجيب