بيروقراطية
عشت شطرا من شبابي في الريف، أجدت التعامل مع كثير من الأدوات التي يحتاجها الرجل الريفي البسيط في فلاحته لأرضه، وفي اعتنائه بماشيته وما إلى ذلك، شيء واحد لم أفلح في التعامل معه رغم حرصي الشديد وهو الثور الذي يجرّ المحراث، فما إن أبدأ في العمل حتى يهيج الثور وينفر مني أشد النفور فيجتمع لأجل ذلك أهل القرية الذين لا يجدون صعوبة في استرضائه، وكثيراً ما جلب لي ذلك شيئاً من الحياء والحرج..
ثم قادتني حياتي العملية إلى المدينة، وسارت الأمور سلسة منقادة، إلا أمرا واحدا لم أفلح في التعامل معه هو الآخر، ولا أدري ما الرابط بينه وبين ما عانيته في بواكير شبابي مع ثيران الحراثة؟ إنهم (مديريّ العمل)!
* * *
داء
تلوح له من بعيد.. يلمحها وسط الزحام في سوق القرية.. يعرفها.. يحسر ثوبه.. يخترق الصفوف.. يفتش عنها حتى يقترب منها.. يهتف لها بابتسامة بلهاء:
- أريد مثل أمس!..
تصاب بارتباك شديد.. تتلعثم.. يتلون وجهها.. ترد محاولة صد ما يعتريها من اضطراب:
- مسكين..
- أمس مرّ من عند البيت.. وأحزنني ما كان يعانيه من جوع.. فأدخلته وقدمت له شيئا من الخبز والسمن..
- لا لا..!
- وقدمت له عسلا.. مسكين ما ينسى الجميل!..
- لا لا..
ينفضّ الجمع الذين يرقبون المشهد ضاحكين!!..