تفاجأت بما كُتب عن أستاذي الحبيب الدكتور محمد الهدلق في المجلة الثقافية ذات العدد (286) في 11 جمادى الآخرة 1430هـ ، فاختلطت المشاعر في نفسي وتنازعتها؛ فالفرح بما سطر في حقه وهو قليل والحزن الذي بلغ من نفسي مبلغه أن فاتني هذا، فقلت: أكون في ساقة الكاتبين.
أول مرة لقيت أستاذي كانت في مبنى كلية الآداب بالملز، كنت راجعًا من القاهرة، بعد أن علمت أن مدير الجامعة أنهى بعثتي أو هو بسبيل إنهائها، وكنت قد تقدمت إلى القسم قبل هذا بطلب تمديد لأنهي آخر فصل كلفني بكتابته أستاذي يوسف خليف -رحمه الله-.
دخلت على الدكتور الهدلق ذلك اليوم وكان إلى جواره أستاذي الدكتور محمد الشامخ، فسلمت عليه وجلست إلى جانبه، أما الدكتور محمد الهدلق؛ فقد قام من كرسيه ليرحب بي ترحيبًا شديدًا حتى قلت في نفسي: أيعرفني من قبل؟ شرحت المشكلة يومها، فاستنكر أستاذي الشامخ أن تكون القرارات بغير علم القسم. وفي ذلك اليوم كان مجلس الكلية. وتركنا الهدلق ذاهبًا إلى المجلس، وكان وكيل الكلية في ذلك الوقت هو الزميل الدكتور عبدالله السيف، فذهبت ألتمس منه العون والوساطة لدى المدير، يومها قال عن موقف الهدلق في مجلس الكلية: «ما شاء الله عليه، ما ذكر شيئًا عن فصل البعثة ودافع عن طلب التمديد دفاعًا قويًّا»، نعم، هكذا فعل، وكان هذا أمرًا حاسمًا جعل مدير الجامعة يوم قابلته أكثر تفهمًا لحاجتي إلى مزيد من الوقت. ليس هذا هو الموقف الوحيد، فله مواقف كثيرة معي ومع غيري من الزملاء يطول سردها في هذه المساحة الضيقة. كان لي شرف العمل معه في لجان متعددة، كان لي فيها المعلم الأول بما وهبه الله من دقة ومعرفة دقيقة بالإجراءات الإدارية، هادئ الطبع لم أره يومًا غاضبًا مهما وجد من عنت الآخرين، له قدرة عجيبة على كسر جمود العمل واللقاءات بطرف يوفق إلى ابتكارها ببداهة تناسب المواقف، أما علمه فهو الغزير وأما حفظه فهو المكين، ما سمعته يومًا معقبًا على أحد إلا قلت في نفسي كيف اجتمعت له هذه الفِكر وكيف استوت له هذه الصياغة، وإنك لا تمل من حديثه وتعليقه. حين كان رئيسًا للقسم لم أعلم أنه أعيدت للقسم معاملة أنفذها؛ لأن الدكتور محمد الهدلق لا يترك مجالا للخطأ، وأنا إلى اليوم كلما رأيته في مجلس القسم أحس باطمئنان شديد إلى سير العمل لأنه يرعى القسم وهو من بين أعضائه كما لا يفعل أحد غيره، فتراه لا يترك من الأمور ما هو بحاجة إلى بيان أو احتراز، لأنه جريء في الحق لا يخشى غير الله في قول أو عمل، وكنت إذا رأيته ساكتًا عرفت أن الأمور في مجراها الصحيح. وهو على معرفته الغزيرة وعلمه الجم وسعة خبرته الإدارية بما كلف به من العمادات والأعمال الإدارية تجده بالغ التواضع، فتراه يهون من نفسه في حين يرفع من شأن الآخرين حافظًا للآخرين أقدارهم.
وإنه من دواعي فخري واعتزازي أن تشرفت بالعمل مع هذا الأستاذ الكريم الذي تعلمت من خلقه وعلمه فلا زال الله منعمًا عليه بالصحة والعافية.
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7987» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض