قل لنا: لماذا لا نراك مع أنك حاضر في كل مكان، ولا نسمعك رغم علو صوتك، لا نفهمك ولا تفهمنا.
هل لأنك مختلفٌ عنا، أم لأنك ذبت في الآخر حتى صرت أنت هو شكلاً ومضموناً؟!
لماذا تحب الغريب، وتنحني له احتراماً، أو خضوعاً، وتتذمر من الأهل، تستقبلهم بابتسامة باردة، وتسلم عليهم بأطراف أصابعك؟!
لماذا لا تحالف إلا الباطل، ولا تدعو إلا المزيفين المشبوهين؟!
لماذا يعرفك الخلق كافة، ولا تعرف نفسك، أو أنك تعرفها فتختبئ وراء أقنعتك؟!
لماذا تعتقد أن الوطن بحاجة إلى الزيف والكذب، والوطن واضح وضوح منائره ونخيله، وجريان الشمس على رماله؟!
لماذا لم تأخذ من الغرب إلا ما يؤذي، وأسقطت على الشرق كل ما يؤذي؟!
لماذا كلما رأيناك اختفت سمرتك، وشاربيك، وأطل علينا شخص غريب أشقر، أزرق العينين، حليق الشاربين، ذو ربطة عنق فاقع لونها لا تتواءم مع ملابسه الفخمة؟!
لمَ كل الطرق إلى الوطن مستقيمة، إلا طريقك فهو متعرّج معوج؟!
لماذا يرى الخلقُ الحقيقة َساطعةً، ولا ترى أنت سوى السراب ماء، وسوى الزيف والوهم حقيقة؟؟!
لماذا الأبيض أبيض، والأسود أسود، والنهار نهار، والليل ليلٌ لدى كل صاحب نظر، إلا لديك، ولديك وحدك، فهي عكس ذلك تماماً، رغم أنك لست وحدك، فأمثالك كثر على الخارطة الكبيرة، وعلى الشاشات، وعلى صفحات الجرائد، لكننا من تشابه عقولهم وألسنتهم ومنطقهم المعوج نحسبهم واحداً، وهم شتى في انطلاقاتهم ومصالحهم.
يا أيها المفتون: لماذا أعين الناس في وجوههم، وعيناك في مؤخرة رأسك، أهو الخوف أم الريبة والشك؟!
لماذا تنشد الفوضى لهذا المكان، والنظام لذاك، وتريد الحرب على هذا البلد، وتريد السلام لذاك؟!
هل يشعرك بالفخر، والاختلاف، والتجاوز، أن الذي تحاربه منك، وأن الذي تنشد له السلام عدو لملتك، وأهلك، لا تجف الدماء عن يديه أبدا.
لماذا تسعى حثيثاً لتثبيط روح الأمة، وعزم بنيها، وتقاتل لإقناعهم بأنْ ليس في الإمكان أبدع مما كان، فعليهم أنْ يرضوا بالأمر الواقع، ويقتنعوا بعظمة وتفرد الآخر، الآخر الذي يأتي منه الخير لا الشر، والرحمة لا العذاب، والبناء لا الهدم، والخبز والآيس كريم لا القنابل الفسفورية، واليورانيوم المنضب!!
لماذا لا تتساوى كفتا الميزان لديك: فقد رأيناك لا تزن بالقسط، ولا تنشد الحكم بالعدل إلا لهم، لا لنا؟!
لماذا تترنم بالديمقراطية، بالعدل والمساواة والحرية ومنها حرية الإعلام، مقلداً، ملمعاً، ثم لا تطبق أيا من ذلك، لا في عملك، ولا عبر قلمك، فهل هي ذرائع تستخدمها وتسلطها على الآخرين كأسلحة تشهرها كلما دعت الحاجة، تماماً كما يفعل مدعوها من مشعلي الحروب عبر العالم.
لماذا كل هذا الحضور القاتل لك، ولغيرك من الغيورين كل ذلك الغياب؟!
لماذا تنطبق عليك أكثر من قصيدة للمتنبي والسيّاب، مع أنك لا تتجاوز وضوح وبساطة قصائد نزار قباني، كما أنك في الحقيقة ضد كل ما يمثل الهوية، ومنه اللغة الأرقى والأنقى والأبقى، والشعر العربي الأثرى والأعلى والأبهى، وستقول لا، ذلك ليس كذلك، فنقول لك ما قاله الإمام ابن قيم الجوزية قبل قرونٍ شعراً عربياً لا عجمة فيه:
فيا بائعاً هذا ببخسِ معجلِ
كأنك لا تدري بلى سوف تعلمُ
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ.
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5182» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض
mjharbi@hotmail.com