القاهرة - مكتب الجزيرة - أحمد عزمي
يعد الكاتب السوري (ثائر ديب) أحد الأسماء البارزة في حركة الترجمة العربية، وهو حاليا يتولى رئاسة قسم الترجمة بهيئة الكتاب السورية، وذلك بعد مغادرة الدراسة في كلية الطب تماما، والتفرغ لأعمال الترجمة.
أصدر (ثائر ديب) أكثر من 45 كتابا مترجما إلى العربية، منها (تأملات في المنفى) لإدوارد سعيد، و(نظرية الأدب) لتيري إيجلتون و(النظرية النقدية)، وغير ذلك من الكتب.
هنا حوار مع المترجم (ثائر ديب) فإلى التفاصيل:
لماذا تركت دراسة الطب واتجهت إلى الترجمة؟
- منذ الطفولة وأنا أعتبر نفسي قارئا ممتازا، فالقراءة جعلتني مسكونا بالكتب، وصرت أتمنى أن أكتبها أو أترجمها، ولاحقا ازدادت هذه الرغبة، وصرت أترجم وأكتب، وبقي الشغف بالكتب أقوى من الطب، الذي لم أحبه، في أي يوم من الأيام، خاصة أنني انقطعت عن دراسته، لفترة طويلة، بسبب ظروف قسرية، حيث اعتُقلت خلال الفترة من العام 1987 إلى 1991م.
تتولى رئاسة قسم الترجمة في هيئة الكتاب السوري.. فما خطتكم في هذا المجال؟
- ابتُلي قسم الترجمة ببعض العثرات، في بداية تشكله، أما الآن فقد بدأ يتعافى شيئا فشيئا، هناك محاولات لوضع خطة للترجمة، تتناول - من جهة أولى - كلاسيكيات الفكر والإبداع العالمي، ومن جهة ثانية تتناول ما يجدّ من جديد على صعيد العلوم والفكر والأدب بمختلف الأنواع والأجناس.
وعموما فإن منشورات وزارة الثقافة السورية لا تخلو في أي فترة من الفترات من مفاجآت نوعية يعرفها القراء العرب.
الملاحظ أن ترجماتك تكاد تنحصر في اتجاه النظريات النقدية الحديثة..
- المسألة تعود إلى الاختيار الفكري الواضح بالنسبة لي؛ فأنا أريد أن تطّلع ثقافتنا العربية على آخر ما أُنتج من أفكار نقدية تدعو إلى التغيير.
كيف ترى حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى؟
- ما تعانيه حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى يشبه حالة العدم، ولهذا أسباب تتعدى فكرة الفردية، فهي أسباب تتعلق بعلاقات القوى الاقتصادية والثقافية، التي تربط بين الشعوب، وخصوصا البلدان المتحدثة بالإنجليزية والفرنسية، ونادرا ما نترجم عن اللغات الهامشية، ومن جهتنا لا نقوم بما ينبغي أن نقوم به كي نغير هذا الوضع.
ولماذا تبدو نسبة الترجمة في العالم العربي ضئيلة جدا بالنسبة لحركة النشر عموماً؟
- حركة الترجمة إلى العربية ضعيفة جدا، قياساً بالإنتاج العالمي للمعارف والعلوم، وهذا ناجم عن التقصير في دعم الترجمة والتشجيع عليها، ومع ذلك فإن المترجمين العرب ينجزون قدرا كبيرا مما هو أساسي، حيث لا يكون لدى القارئ العربي أو المثقف أو الأكاديمي حجة في عدم الاطلاع على ما يجري في العالم من حركة للعلوم والمعارف.
بمعنى آخر فإن إنتاج المترجمين العرب على صعيد النوع هو إنتاج مهم، أما على صعيد الكم فهو إنتاج بالغ الضعف.
قلت إن ما تنتجه سوريا لا يقارن بما تنتجه مصر، من حيث الكم، لكن نوعية الترجمة في سوريا هي الأفضل.. لماذا؟
- إذا ما قارنا بين ترجمات سورية وأخرى مصرية بشكل محدد، وبالنسبة لكتب محددة، تمت ترجمتها في البلدين، فإن هذا يدل على صدق ما أقوله، وهذا الأمر مؤسف جدا؛ لأن مصر هي الرائدة على صعيد الترجمة والإبداع، ومترجموها القدامى لا يضاهيهم أحد، سواء كان ذلك أيام د. طه حسين أو بعد ثورة 23 يوليو (تموز) 1952م.
كيف تفسر تفوق النشاطات الفردية في الترجمة على أنشطة المؤسسات؟
- هذا يرجع إلى غياب المؤسسات التي تعنى بالترجمة لفترة طويلة، وحين ظهرت لم يضع أغلبها خططا للترجمة؛ ما أبقى الأمر في أيدي المترجمين الأفراد، ومنذ فترة قريبة بدأت بعض المؤسسات تنتهج عكس هذا النهج، مثل (المركز القومي للترجمة) الذي يديره د. جابر عصفور بمصر، ومشروع (كلمة) في أبو ظبي، والمنظمة العربية للترجمة، ووزارة الثقافة السورية، وجهات أخرى.
ما الكتب المترجمة التي تفتقر إليها المكتبة العربية؟
- المكتبة العربية تفتقر إلى كتب مهمة على صعيد المعارف جميعا، فمن الضروري تحقيق تراكم معرفي على جميع الصعد المعرفية والعلمية، ولعل هذا التراكم المتدرج أهم ما ينبغي تحقيقه بالنسبة إلى عملية الترجمة، واعتقادي أن الثقافة العلمية البعيدة عن الخرافة هي أهم ما تحتاجه الثقافة العربية.
ولماذا تركز حركة سوق الترجمة على روايات أمريكا اللاتينية واللحظة السياسية الراهنة؟
- الثقافة العربية، مثل غيرها من ثقافات العالم، تهيمن عليها ثقافة ما يدعى ب(الكتب الرائجة) أي ال(بيست سيلر) ومن هذا الباب تسيطر الروايات الخفيفة والكتب السياسية المرتبطة بالأسباب الآنية والراهنة، وهذا ما عكس التراكم الذي أشرت إليه، أعتقد أن العلوم الإنسانية والطبيعية، وقبل كل ذلك التطور العلمي، هو أهم ما نحتاجه الآن.
هل معنى ذلك أن القارئ العربي يقبل على ما يشبهه؟
- الترجمة العربية متعددة، هناك مترجمون يترجمون أشياء خفيفة عابرة، وهناك قلة من المترجمين يترجمون ما يبقى لقوته، ما يحكم الترجمة هو ما يحكم الثقافة العربية ككل من تناقض التنوع والاختلاف.
في رأيك هل نحن كعرب داخل العالم أم خارجه؟
- نحن في الفترة الراهنة لسنا مجرد سلبيين، بل أسوأ من ذلك، وعلى الثقافة العربية أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تعيش في العصر أم أنها تريد أن تعود إلى الماضي (الذهبي) المجيد، إن لم تحل هذه المشكلة فسوف نبقى متلقين سلبيين.
هل هناك قواعد تحكم اختيارك للكتاب المهم والصالح للترجمة؟
- غالبا ما أختار الفكر الغربي النقدي، وهذا أمر تشير إليه عناوين كثيرة من الكتب التي ترجمتها، مثل (أوهام ما بعد الحداثة) و(النظرية النقدية) و(بؤس البنيوية).
لكن هناك من يرى أن استيراد الفكر النقدي الغربي وتطبيقه على النصوص العربية أصابها بالتشويه؟
- دعني أجيب عن سؤالك بسؤال: ما مناهج الثقافة العربية؟ وهل هناك ثقافة عربية واحدة أم ثقافات في كل مجتمع عربي؟ وكيف نسمح لأنفسنا بأن نركب سيارات مصنوعة في أوروبا، ونستهلك كل منتجات ذلك العالم، ونرفض في الوقت ذاته مناهجه العلمية والفكرية؟ وهل يحق لمن يستهلك قمامة الغرب أن يرفض مناهجه وثقافاته، خاصة النقدية منها؟
ما أثر سياسة الانفتاح وثقافة الاستهلاك على حركة الترجمة؟
- النزعة الاستهلاكية تؤثر على الترجمة من خلال تأثيرها على حركة النشر وقراءة الكتب، كما تؤثر في الترويج للكتب الاستهلاكية أيضاً والخفيفة، بمعنى آخر فإن تأثير النزعة الاستهلاكية على الترجمة هو تأثير معقد ومتناقض.
من أساتذتك في مجال الترجمة؟
- كل الذين عملوا مع د. طه حسين، إضافة إلى المترجمين اللاحقين من المصريين تحديدا، الذين عملوا في مشروعات ثقافية أيام ثورة يوليو - (تموز)، وفي سوريا هناك أساتذتي: سامي الدروبي، وأديب يوسف شيش، ووجيه أسعد، وفي لبنان حسن قبيسي.
ما شروط المترجم الكفء؟
- بالإضافة إلى معرفة اللغتين المترجم منها وإليها، معرفة الثقافتين بعمق، والقدرة على اتخاذ موقف نقدي من العمل الذي يقوم بترجمته.