بطيءٌ خطوُ هذا الليلِ يحملُ فكرةً وَسْنى
وأوراقا يُغطِّيها ضبابُ الصمتِ من تعبي
هنا للحرفِ منتشيا بما في جيبه المثقوبِ من مطرٍ
وللإيقاعِ محمولا على أكتافِ قافيةٍ تواعدني ولا تأتي
أنا أهوى تمنُعَها لأكتبني على مهلٍ
وكم أهوى تجلّيها بأوراقِ المدى الملتاثِ بالأرقِ
وكم أشتاقُها سعيا لأشبهها و تشبهني
لأصرخَ : أنت قافيتي التي أبغي ..
سمعتُ بأنّكِ الأغلى ومن وجدوك قد ماتوا
وها ألقاكِ يا تعبي فهل أغفو على ورقي..؟
وهل متُّ؟
إشاراتي منازلُ صدفةٍ أودتْ بعابرِها
وعابرُها سليلُ قبيلةٍ يعتاشُ أهلوها من الولهِ
فلا خيّالُها الموجوعُ يكشفُ سِتْرَ خافقِه
ولا خيلٌ ستخذلُ رِفْقةَ الخيّالْ
يُغنّى صوتَها الحاني وسيفُ الوجدِ يقطَعُه
فكم غنّى على ظمأ و أرهقَ صدرَه الخزفيَّ
يكتمُ صخرةَ الوجع ِ
وكم أهدى حداةَ البدوِ أحرفَه
ليسمعَ رجعَ قصّته
شفيفا من فمِ الصحراءِ..
نِدَّ مواجعِ الماضينَ.. مسلوبا كوجهِ الآلْ
تراتيلٌ تعانقُ ما تسرَّبَ من فتاتِ الرملِ في لغتي
وأصداءُ المدى الجمعيِّ لا تحنو على الفردِ
ولا تهديه فُسحتَها
ومِن أستارِ ما يحوي شتاءُ جنوبيَ الغربيِّ يطلعُ إخوةٌ سبعة
على رمشي تسيرُ سماءُ صُحبتِهم
فأغمضُ جفنيَ المشتاقَ.. لا أبكي ولا يبكونْ
كذلك قالت الصحراءْ
مرارا يعبرُ الماضون من دمعي إلى وجعي ولا يأتونْ
فأعبرَني ولا أبكي
سيُبكينا ارتباكُ الدربِ في أرضٍ يموتُ ربيبُها بالشوقِ..
لا أبكي ولا تبكونْ
كذلك قالت الصحراءُ..
ما قالتْ.. فكُفوا زيف َ قسوتِكم
رقيقٌ ما تضم البيدُ رغمَ مواسمِ القلقِ
رقيقٌ صوتُها المبحوحُ من عطشٍ ومن فقدٍ ومن إعياءْ
ولا يدري سواها ما يضمُّ الليلُ في جنبيه
لا يدري سواها ما اقتفاءُ الماءْ
ألا أبكي؟ !
بلى والقلبِ يُحرقه التذكرُّ في اتساعِ البردِ يحكي دفءَ واحتِنا
بلى والدمعِ والأحبابِ والأشعارِ والذكرى
بلى وصقيع نافذتي التي يجتازُها الغُيّابُ.. أهلُ القلبِ أو أهلي
بلى ورغيفِنا الغالي يصافُحه ندامى الخيلِ والبيداءِ والليلِ
بلى وحنينِ نوقِ البيدِ ليس يحده أمدُ
بلى.. وأعودُ أغزلُ شوكَ أوبتِهم من الصمتِ
و أغرقُ في ترقبيَ الطويلِ ظلالَ أحبابي
وأحملُ شوكَ خطوتِنا إلى الأحلامِ نرسمُها على البعدِ..
ويدمى القلبُ لا أشكو ولا يشكونَ
من تعبٍ ولا نسيانْ
لماذا كُلَّما يممّتُ قافيتي تجاه البحرِ ترهقني
ولا أحظى بصحبتِها؟
أكرِّرُ غلطتي سبعا وسبعا سوفَ تُوجِعني
ولا يعتادني الخذلانْ
أنا الصحراءُ لا تُؤتى بلا عهدٍ للونِ ترابِها الغالي ولا استهداءْ
أنا الصحراءُ لا أُهدي سماواتي لغيرِ رفاقيَ الخُلَّصْ
أنا الصحراءُ..
تشبهِنُي النخيلُ بصبرِها العالي
وغيثٌ في سماواتي يحاكي غيثَ موسمِها
تخالفُني بوحدةِ أرضِها الأولى
وأرضي باتساعِ الكونِ حيث الغيم.. أتبعُ فيضَ كفَّيه
وأعشقُ كُلّ ما عبرتْ خطاي وضمَّه دربي
أنا الصحراءُ..
تشبهُني الجبالُ بعزلةِ الصعلوكِ .. صمتِ مُولهٍ يبكي
رباباتِ الجوى المجنونِ والتعبِ
وأشبهُها ندىً وإباءْ
أنا الصحراءُ
لا ألقى رمادَ اللونِ
فانتبهوا لعمرِ رماليَ الصفراء مغزولا من الشمسِ
ومنسكبا شفيفَ الدمعِ بين الغافِ والشيحِ
تعالوا واقرأوا فصلي اليتيمَ وعدِّدوا المعنى
فلا تأويلَ يحملني..
ولا يأتي الخريفُ عليّ إذ أنحازُ للريحِ
أنا للصعبِ في قطبينِ بين البردِ والقيظِ
وحظي من غرورِ اللونِ أسكبُه على الواحاتِ
كي يزهو به النخل ُ..
هجيرُ الوعدِ يُهلِكُني
وأنغامي أنوِّعها بخطِّ الوجدْ :
دمعُ قطاتيَ الولهى..
نشيجُ العاشقِ المكلوم ِ
تُخفيه عن العُذَّال أضلُعه
ويأتي الليلُ لا يقوى على الكتمانِ خافقُه
و لا تحتارُ في الإفصاحِ أدمعُه
ربابةُ بائعٍ جوّال..
آهةُ حسرةٍ ذبلت من التكرارِ عبرَ الشيخِ يبكي فخرَ ماضيه
وتنهيداتُ موجوعين عبرَ مضاربِ الصمتِ
هنا ستجيءُ قافيتي مُوزَّعةً على إيقاعِها الأغلى
غنائيا برغمِ تهامسِ الأصحابِ «أفسدَ حرفَها الإيقاعْ «
غنائيا يُعتِّقه هديلُ الروحِ أعمارا من الوجدِ
قريبا من حدودِ الماءِ..
حُرَّا في تنقلِه على تفعيلةٍ كسلى
يجيءُ خراجُها غِبّا
ويبقى المجدُ للصحراء
إكستر - فبراير - 2009