إن تلك الحركة العاصفة التي تطالعنا بها نهضة الفن الإسلامي المعاصر بعد ركود طال تعتبر بروزا صريحا على سطح الفكر الإسلامي, والوعي الذي تشكل للأجيال الجديدة من الشباب المعبرين منهم خصوصا من خلال الفن، المتفاعلين والمتمازجين بين الخلفية الإسلامية والوعي الجديد بالعالم.
هناك لحظات، يعرفها جيدا كل من قام بتحليل الأعمال التي ناقشت شيئا من الفكر الإسلامي ..بأن بعض الدول الإسلامية لا تؤدي إلا عرضا أبكما للفن الإسلامي باعتمادها اتجاهات قديمة لعرضه ماعادت مدهشة للتداول عالميا.. رغم أن الخلفية الثقافية التي تدعمها ذات توجه إسلامي خالص بل وموجه للفكر الإسلامي حول العالم. مايدفع سؤالا عن غرابة الضعف في التعبير الذي ينال تلك الأقاليم والتي نقع نحن كمجتمع إسلامي ضمنها.
الفن الإسلامي المعاصر ليس ذلك الذي يحتوى على أشكال غير مجسمه، الرافض لذوات الأرواح. إنه الفن تحديدا الذي يناقش الفكر الإسلامي وحال المسلمين وحياتهم وأحلامهم. وإذا كان علينا أن نؤرخ لشكل من أشكال الإحباط فسنقول إن الفنانين الذين يقدمون فنا إسلاميا بيننا لا يتجاوزون أصابع اليدين في أفضل الأحوال. بينما الفنانون من غيرنا هم من يمثلون الفن الإسلامي المعاصر عالميا أحسن تمثيل وعلى أعلى مستوى من الاحترافية الفاعلة والمؤثرة.
جائزة عالمية واحدة للفن الإسلامي المعاصر يرعاها واحد من بيننا «جائزة جميل» تكفي لكشف الهوة الهائلة التي يقع فيها ضعف جدارتنا الفنية عن مناقشة الموضوعات الإسلامية في إنتاجنا الفني. إذ من المؤسف التساؤل عن عدد الفنانين السعوديين المرشحين لهذه الجائزة العالمية.
هنا من المنطقي لنا إدراك الصعوبة المتزايدة في احترام الذين يحدقون في سعة مكاننا المحجوز لنا في العرف العالمي العام كممثلين لهذا الفكر..الذين يحدقون بثبات في المشهد ويفشلون في أن يلحظوا بطريقة كافية ضرورة وجودهم في المعاصرة كما كان حضورهم في الماضي. على الأقل من أجل وجهة النظر التي تأخذ بالفكر الإسلامي بوصفه مفعما بمضمون اجتماعي لا نهائي، ومن زاوية مايتطلبه هذا الشكل من الاحتفاء بالإنسان وحقه من الإعلان. بل وبوصفه أيضا خط فكري نهضوي سيعين هذه الأقاليم على الاعتماد على نمط الفكرة الفنية غير المحدودة، بحسب أن الدين مادة غنية للتصور الفردي للعالم وعينة لمسيرة الإنسان عبر هذا العالم. وهي بانوراما العالم منظورا إليها من خلال الإنسان.
إن الفن الإسلامي المعاصر بفكره المستقل أضفى موضوعية معاصرة على شمولية الشخصية الإسلامية المتعارف عليها لا من حيث المعرفية وغنى المعلومات التي يقدمها - فذلك يعتمد بشكل أساسي على ثقافة الفنان- بل من حيث غنى العقل والروحية المرتبطة باليوم واقعا مهموما بالإنسان وطريقه. والأهم هو أنه منتج فني متشبع بشخصية المبدع متناسقة مع منابعه الفكرية والفنية.
ليس هؤلاء المنغمسون في التعبير عن واقعنا هم وحدهم الذين يتطلبون دعما فعالا، بل المسلمين كلهم الذين لا يعبر عنهم إلا بشكلانية فارغة وعبر تلك الأشكال المتواضعة من المعارض الخامدة عديمة التواصل. الإنتاج الذي وعلى نحو جذري مسؤول عن الفقدان الملحوظ للأمل ..والإحساس بفقدان أي مستقبل لدينا للفن الإسلامي المعاصر.. الفن الذي من المفترض أنه إذا خرج منا صار حقيقا بفكره الخلاق بالطواف بالعالم .
إن الشكل اليوتوبي الصريح لدعم شريحة من فنانينا للعرض خارجيا ناتج فقط عن مأزق هذه الفترة المحاصرة لنا بضرورة حضورنا عالميا، بينما يستمر قصور الأشكال العديدة لفنوننا المقدمة والتي تبدو بوضوح جامدة وساكنة، الأمر الذي عمق أنماط الخمود الفني وأشكال تورطنا التي وللمفارقة الساخرة تمثل للعالم «بدائلنا الفخورة بواقعنا» وهي في الحقيقة وعلى المدى مدمرة لها أو وهذا يبدو معقولا أكثر، تعمق تناقضنا، الذي يؤكد ويثبت على نحو معقد حاجتنا لإضفاء صفة العالمية على منتج هو وعند العمق الضروري لمناقشته، نعلم وبشكل جلي أنه ليس بمقدوره جمع المادة التي تتيح لنا أن نجد طريقا مميزا في العالمية، على الأقل مع إحساسنا الراهن بالضياع بين الماضي الذي يكرر نفسه والمستقبل المتجدد الذي ينظر إليه كل العالم.
يبدو لي من الزيف أن نعتقد أن اللوحات التي كانت تنتج منذ عشرات السنين ذاتها.. بذات الألوان والمعالجات قادرة على التعبير عنا اليوم. إن الجديرين بالاحترام من بين أولئك هم الذين يحاولون بألوان جديدة من الإنتاج الفني أن يواجهوا تلك الحالة من الخمود عن طريق اكتشاف وإعادة اكتشاف صور الماضي البديل والحقيقي. من خلال فنانين قطعوا مسيرة طويلة سابقا وقادرين على مواكبة الجديد بذات المنتج ولكن مع تعبيرات فكرية جديدة. على أن لا تكون هذه المواجهة شكلا جديدا من فقدان المستقبل. شكلا جديدا من الالتفاف حول قصورنا.
إن إعادة بعث منتجنا الفني القديم نسبيا ليس في الأساس إنتاجا للفن والحالات القليلة من أشكال الاحترام - المتمثلة بعرض مجموعة من أعمال الفنانين خارجيا – ليست ذات قيمة استثنائية في ذاتها فقط, بل إنها أيضا تتيح لنا رؤية الاختلاف بينها كإعادة لبعث «الحداثة» الفنية السعودية وبين روح الفنون المندمجة بالمعاصرة.
الرياض