(وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)
هذه جزء من آخر آية في سورة لقمان عليه السلام تذكرتها وجالتْ في خاطري يوم أن سمعت بنبأٍ عظيمٍ مؤثرٍ ألا وهو وفاة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر كما ينعتونه في البلد الشقيق (مصر)، وهو بحقّ من أكبر علماء المسلمين، ومنصبه يكاد يكون أكبر منصب في العالم الإسلامي، خاصة أن الجامع الأزهر أقدم جامعة في هذا العالم. وقصة وفاته بالسَّكتة القلبية جاءت فجأة. وكان رحمه الله قد وصل إلى هذه البلاد لحضور توزيع جوائز الملك فيصل - طيب الله ثراه - بصفته أحد أعضاء اللجنة في دراستها، وذلك يوم الثلاثاء ليلة الأربعاء 25-26 -3-1431هـ، وعفواً إن كنت أخطأت في التاريخ؛ لأن التوقيت بالميلادي أنساني التاريخ الهجري أو يكاد لكثرة استعماله.
وهكذا فالفلك دوّار كما يقولون.
ولما جاء صباح الأربعاء الفائت ذهب إلى المطار للعودة إلى بلاده وراجع المسؤولين عن السفر وقصّ تذكرته وصعد إلى سلم الطائرة وهو بكامل صحته كما يقول الخبر، وعند بوابة الطائرة سقط مغشيًّا عليه وفارق الحياة في الحال، فجيء بطائرة خاصة وحملته إلى المدينة المنورة ليدفن فيها، وهذه نهاية الحياة، عندها تذكرت ذلك الجزء من الآية الكريمة التي عنونتها أعلاه فهي تنطبق على النهاية التي آل إليها رحمه الله رحمة واسعة وعفا عنه وجزاه عن الإسلام خيراً، وهذه حالة الدنيا {لكل أجل كتاب}، وهذه القصة تذكرني بحالة مثلها حدثت قبل عقد ونصف تقريباً. وكان لا يفصلني عن الشيخ الفاضل محمد الغزالي الداعية المعروف إلا الأخ الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الصالح في مركز الملك فيصل التابع لمهرجان الجنادرية في ذلك العام. وبينما الحفل الخطابي مستمر إذ بالشيخ يكتب ورقة صغيرة يبدو أنها تعقيب على المحاضرات، فجاء المسؤول عن الحفل وأصغى إليه أنه بعد نهاية المحاضرة يحق له التعقيب (هكذا فهمت)، وبعد بضع دقائق داهمه الموت وانحرفت رقبته من على كرسيه, وذهبوا به إلى المستشفى ليسلم الروح لبارئها واختاره الله لجواره في تلك الليلة، وفقدنا بموته عالماً جليلاً وداعية ومصلحاً اجتماعياً له تأثيره البالغ في المجتمع الإسلامي بما خلَّف من تراثٍ دعويٍّ نافع وكتب إسلامية كثيرة، جزاه الله وأمثاله على جهودهم خير الجزاء, ولا حرمه من الأجر والثواب، وصدق الله حيث يقول ?أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا واللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ?
ولقد فسرها جمع من العلماء أن ذلك النقص يحدث بسبب موت العلماء، ومصداقه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الناس أو قلوب العلماء ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبق إلا رؤوس جهال فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) والله أعلم.
عبدالمحسن بن محمد التويجري