ونحن عشنا (معرض الرياض الدولي للكتاب) لا بد من هذه الإشارة:
نظر الله إلى الأرض فمقتها أوثان كسروية وقيصرية فقدَّر فجراً جديداً وثقافة وليدة تخلف ذاك الركام الذي أسن فلا بد أن تكون البداية {اقرأ}
كثيرة هي العناوين التي تقول (أمة اقرأ لا تقرأ) لدرجة الابتذال وتكرار الطلب وليس القصد جلد الذات ولا التهوين من أهمية اصطحاب الكتاب لكل حضارة رائدة ولكننا نحتاج الكثير إلى جوار هذا الطلب ونحتاج أن نتبين من المقصود به وكيف يكون الانتفاع بهكذا طلب؟
القراءة فعل مباح للإنسان بما أنه إنسان كرَّمه الله بالعقل, ولكن الجسم المريض لا ينفعه الطعام الجيد، بل يغثيه ويمعده لم أتمنى هذه البداية ولكن الواقع مر فمن تجول ذات صباح على مقالات الجرائد وأصغى لما يدار في المجالس من أحاديث صادرة عن قراء وقف على مدى الفجيعة الفكرية التي تخلفها القراءة لبعضهم إنهم يقرؤون كل شيء في كل وقت وليس هذا عيباً، بل مكرمة للأسوياء إنهم يقرؤون بلا أسئلة لماذا؟ وإلى أين؟ وكيف؟ وإذا أنت لم تعرف ذاتك وماذا تريد فلن تستطيع أن تقدم للمؤلف أي سؤال جدير بالعناية ليحرك عالمه ويغيّر قناعاته ومسكين هو المؤلف ذو الجمهور الأمي وإن قرأ.
إن أشد حالات التخلف هو ذلك التخلف الذي تفرزه القراءة لأن المتخلف قارئ فبماذا ستنصحه هذا إذا أصغى إليك فضلاً عن أن يستنصحك.
إلى جوار المكتوب هناك المرئي وهي حال آلة الثقافة التطور مما يسهم في نمو معرفة المتلقي وتنوعها بيد أن الإنترنت والإعلام بأنواعه لا يخلق مثقفاً ولا يبني طالب علم، بل إن في هذه الوسائل الحديثة إيهاماً للمتابع وخديعة له بأنه صار مفكراً لأنها تحدثه عن كل شيء ولكن لا تعطيه شيئاً وخير جليس في الزمان كتاب ومهما تطورت هذه الوسائل فهي قنوات ولا غنى للبحار ذي الصدر الرحب عن البحر.
وهنا سبعة أنواع من القراء
يقرأ كثيراً ولا يتطور إما لأنه:1- القارئ الهاردسك يحفظ آلاف الأبيات والعواصم والقواصم! (زادت نسخة في المدينة)
والقارئ الجيد مرءاة تصقله المعلومة ويفعِّلها لتحسين الحياة.
2- القارئ الموهوم
المعتد بنفسه الراضي عن ذاته الفكرية، (وما بعد الكمال إلا القعود والقارئ الجيد لا يقعد عن تجديد آليات فهمه ونظره للظواهر من حوله)
3- القارئ الأنا يقرأ ليقال قارئ
وهو أول من تسعَّر به النار وفي الغالب أن أفقر البيئات فكرياً تولد العلل الفكرية وإن قرأ أبناؤها وليست هذه هتلرية ومن تأمل عرف (القارئ الجيد لا يقتني كتاباً إلا ضمن سلسة فكرية معلومة الهدف).
4- القارئ المؤدلج
يعتنق فكرة أو أيديولوجيا ثم ينطلق لا يلوي على شيء إلا البحث عن أدلة تؤيد تلك الفكرة أو الأيديولوجيا
(وهذه أم النكبات ومنها تنطلق كل الأفكار الشريرة والأحكام المعلبة ويعلو التصنيف ولا يعلى عليه والقارئ الجيد تتوالد الأفكار لديه من الأدلة ويضيق ذرعاً بالمسارب المكتومة ولا يرضى بغير الفضاء أفقاً).
5- القارئ الإسفنجة: فهو يمتص كل مسطور على أساس أنه صواب لا مرية فيه (والقارئ الجيد يحلّل ويقبل ويرفض بميزان، بل يعيد إنتاج النص مرة أخرى بالقراءة الفاعلة).
6- القارئ العنيد (سنفور غضبان): وهو الرافض لمجرد الرفض ولشعوره أن تسليمه للمؤلف بما يقول انهزام منه أمام ثقافة المؤلف هو مصاب بالمرض النفسي (أنا أرفض إذاً أنا موجود) (والقارئ الجيد يملك من شجاعة الموقف ما يهيئه لإطراء الفكرة النيرة والمشروع الناجح، بل يساهم في نمو من حوله وشعورهم بعظمة ما يقدموه بدون مبالغة ولا تقصير)
7- قارئ الوجبة السريعة: وهو زبون كتب الوهم وكيف تصبح مثقفاً في ثلاثة أيام وكتب الإحصاءات والقصص الرديئة فنياً والمقالات البلاغية لغرض الإبهار بموسقة الكلمات وخربشات الإنترنت ومروقات الأدعياء الذين لا مبدأ لديهم ولا قيمة الذين يقولون بموت علم أو يشككون في مسلمات بغير دليل سوى حب الظهور بالمميز والمختلف (كل هذه لا تغري القارئ الجيد هو يبحث عن البناء لا الهدم هو يبحث عن الدسم وفي الوجبات السريعة السم الزعاف ومنها يتغذى الناعقون بكل محفل والمبرزون في كل اضطراب)
فإن كنت أحد هذه الأصناف السبعة وللتليف الفكري سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ولا سبيل لخلاصك منها فسيقول لك كل عاقل أرجوك لا تقرأ!
الرياض
t-alsh3@hotmail.com