القاص عبدالله العقيبي أطل على القارئ بما يحمله من هم إبداعي ومعرفي، ليسجل من خلال مجموعته القصصية الجديدة «صوت الموجة» العديد من المواقف الإنسانية المعبرة، ويصور ببراعة متناهية العديد من الأحداث الأليمة بإطار سردي مميز يبتعد عن الحشو والتكلف.

فالقصة الأولى في المجموعة «وجوه وأسماء» تحمل مضامين غاية في الإدهاش إذ تصور لنا القصة معاناة فتاة مع مرض «الصرع» حيث أعيت أهلها السبل في البحث عن علاج لهذا المرض، إلا أن تدخل الخال فاقم المشكلة، إذ لجأ إلى الكي كوسيلة محتملة للعلاج مما ضاعف مأساة الفتاة وباتت تحقد على كل شيء بسبب هذا الكي الذي تعرضت له، فباتت تتعامل مع فن الحرق للوحات حينما كبرت تعبيراً عن هذا المأزق الوجداني الخطير.

فالقصة نهلت حقيقة من فن السرد الذي عني فيه الكاتب، ليسجل من خلاله هذا المشهد الإنساني المتكامل في الصياغة والسرد والرؤى الجمالية والتأثيرية المعبرة، حيث نراه وقد أثث النص بخلفيات جمالية كرحلة البر والإبل والعيد، وموت الخال بعد ثلاثة أشهر أو أربعة من تعرض بطلة القصة للكي على يدي من يتعارف عليه بأنه الحكيم.

في القصة الثانية من المجموعة «حياة لفافة» حيث صور مشهد اشتعال السيجارة وانطفائها وكان عمر العامل وشقاؤه وأحلامه، وتطلعاته شريط سينمائي سريع، لم يعد ممكن في هذه الحال إلا تأمل الحياة في هذه الغربة الخانقة بوصفه مجرد عامل لن يستطع مهما حاول أن يوفر كل طلبات هؤلاء الذين يترقبون عودته في المال.

في قصص «صوت الموجة» للقاص العقيبي نبش حقيقي لمفردات الماضي الذي باتت تتراكم حوله رمال السنين، إذ يعمد في هذا النبش إلى التقاط مفردة واحدة للخطاب الإنساني تتمثل في ولعه في تصوير أدق التفاصيل الإنسانية ومقارنتها بما سواها من أحداث ولكن بأسلوب مقتضب لا يخل في سياق السرد الذي اختطه القاص بطريقة ماهرة على نحو قصة «خريف «الذاكرة» حينما يستميل حكايات الماضي ويستدرجها على نحو مقنن ليفصح عن تشابه أو تطابق ممكن بين ما حدث في الماضي، وما يقع الآن من مفارقات تلامس هم الإنسان ووجوده.

قصة «صوت الموجة» الذي حملت اسم المجموعة يسعى العقيبي إلى ترجمة رحلة الأسرة التي تتباعد اهتماماتهم، وتتناءى مشاعرهم حتى لا يصبح بينهم أي رابط سوى المادة والتوحد في مشهد اجتماعي يشبه لحظة التقاط صورة عائلية عابرة تتكاثر فيها الابتسامات الحيادية.

يعتني القاص بلغة النصوص، فلا يذهب للعامية إلا في حدود معينة، تتطلبها لحظة الإفصاح الخاصة بالشخوص الهامشيين في العمل، فيما يبرع العقيبي في تدوين حالة المكان على نحو مقنن في شارع أو داخل بيت، أو مكتب، أو في محلات يبيع أهلها مكونات الماضي، بل نرى أن الزمن في جل القصص هو حالة استدراكية لزمن ماضٍ، لا يمكن أن نستعيده إلى بلغة التمثل والحديث عن فضاءات حدوثه، وزمن صياغته على هيئة منجز إنساني يستحق البحث والتدوين كما في قصص «عقيق مقدس» و»أثر» و»قيد» حيث نراه وقد صاغ من الزمن حادثة تجلت، ومن المكان سلطة نافذة على بقايا الماضي قديمه وحديثه.

يشعر القارئ لهذه المجموعة أنه أمام تلخيص وجداني للقصة الواقعية في حياتنا، تلك التي يبرع فيها الراوي، ليصوغ لنا من خلالها مواقف إنسانية تتداخل فيها الصور، وتتحدد فيها المعاناة الجديرة بالتسجيل والتداول بين الكاتب المعني بشأن نصه، والقارئ المحمل بهواجس الذائقة من أجل الخروج بجملة سردية جمالية متقنة العناصر.

إشارة:

صوت الموجة (قصص)

عبدالله العقيبي

النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية (ط1) 2008م

تقع المجموعة في نحو (122صفحة) من القطع المتوسط

لوحة الغلاف: للفنان فهد القثامي