إعداد - محمد المنيف:
مازال الفن التشكيلي السعودي في حاجة ماسة للإصدارات المتخصصة في تاريخه ومسيرته وقد يكون عمره القليل مقارنة بمن سبقنا يجعل البعض يتوقع عدم وجود مادة تستحق أن تملأ صفحات كتاب أو إصدار مع أنها كانت تزين صفحات البروشورات أو المقالات التي رافقت افتتاح المعارض قبل أن تظهر مرحلة التأليف والإعداد، حيث تضمنت تلك البروشورات أو المطبوعات الدعائية للمعارض نبذة عن مسيرة هذا الفن الذي أعلنت انطلاقته الفعلية في السبعينات الميلادية مما يعني انه لا زال في ريعان شبابه وحيويته، ومع ذلك أصبح بين أيدينا ما يمكن تقديمه وبكل فخر بمستوى يعادل ما كتبه الآخرون عن مسيرة الفن التشكيلي في بلدانهم والتي بلغت أعمار الكثير منها ضعفي عمر الفن السعودي، والفخر هنا والاعتزاز يتمثل في جهود التشكيليين واختصارهم المسافة والوقت ولحاقهم بمن سبقوهم بل وبمنافستهم لهم .
ومن هنا حق لنا أن نحتفي بكل جديد من التأليف والكتابة والتوثيق لتلك الخطوات القصيرة زمنياً والكبيرة إنجازاً وحضوراً محلياً ودولياً وريادة في الأسماء والأساليب، هذه الإصدارات التي ينتظرها المنتمون لهذا الفن أو المثقفين ومتذوقي الفنون التشكيلية تحتاج في هذه المرحلة إلى الدقة والوعي بما يجب أن تحويه من معلومات وأن يكون الهدف منها التعريف الحقيقي بكل خطوة سابقة أو لاحقة في خطوات المستقبل الحافل بالعطاء بما يحظى به الفن التشكيلي المحلي من دعم واهتمام على أعلى مستوى رسمي.
واليوم يسعدنا أن نستعرض هذا الإصدار الذي قدمه الدكتور محمد الرصيص للساحة وعرض في جناح وزارة الثقافة والإعلام بمعرض الرياض الدولي الرابع للكتاب وقام الدكتور الرصيص بالتوقيع عليه في احتفاء متميز بين رواد المعرض لنتعرف على ما تضمنه الكتاب من أبواب وكيف مزجت فيه المراحل والأجيال والمؤثرات ومراحل التطور.
الساحة والافتقار للإصدارات
كما أشرنا في المقدمة إلى أن مسيرة أو نشأة الفن التشكيلي السعودي ما زالت في ريعان شبابها لم تصل إلى النضج الذي يطمح إليه الجميع، لعدم فهم الكثير في الساحة ما يعنيه العمل الفني أو تعنيه الحركة التشكيلية ومتطلبات نجاحها نتيجة التبعثر وانفراط العقد في جانب العلاقات بين أعضاء الجسد التشكيلي أو فيما يجتهد به البعض بالحديث أو النشر أو التوثيق الشخصي منه والعام عن مسرة هذا الفن إلا من القليل جداً، هذا الواقع وما شابه من شوائب، والحال غير المستقر لم يوقف عجلة التحرك فتحقق للساحة الكثير من النجاحات منها المحلي والعربي والدولي البعض منه بجهود شخصية والآخر والأغلب بدعم رسمي، لهذا يمكن أن يجد مؤلفو أو معدو أو جامعو المعلومات عن هذا الفن ما يمكنهم من إصدار العديد من المؤلفات في جانب التحليل والقراءات أو التاريخ والتوثيق والرصد إلى آخر المنظومة.
وعند العودة إلى المكتبة التشكيلية السعودية نجد أن هناك عدداً قليلاً من الإصدارات قام بها عدد من التشكيليين لكنها لم تأخذ حقها من الانتشار ولم تصل إلا للقليل وافتقدها الكثير ولم تتجاوز تلك المساحة إلى العامة وهم الفئة الأهم لمعرفة هذا الإبداع ودوره في ثقافة الوطن، تنوعت تلك الإصدارات في جانب الطرح، منها ما يتحدث عن تجارب شخصية ومنها الإقليمي الذي تخصص في منطقة محددة من مناطق المملكة ومنها العام الذي تم إعداده من قبل مؤسسات أو لبحث أو رسالة جامعية وكتاب وقد يكون كتاب مسيرة الفن التشكيلي السعودي الصادر عن الرئاسة العامة لرعاية الشباب للزميل عبد الرحمن السليمان الأكثر مرجعية للكثير من المقالات الصحفية أو ما ينشر عبر شبكة الانترنت.
نعيد القول إن ما ذكرنا إشارات سريعة قد يجد القارئ ضالته في معرفة هذه الإصدارات في كتاب تاريخ الفن السعودي الذي نحن بصدده اليوم، مع ما ننظره من جديد في إصدارات أخرى لمؤلفين آخرين في قادم الأيام.
تاريخ الفن التشكيلي السعودي
نعود لكتابنا الأحدث الذي نتوقع فيه لملمة ما قد سقط سهواً في الإصدارات المتعلقة بالتوثيق التاريخي أو إعادة ترتيب ما ورد فيها مع ما نتوقع إضافته من الدكتور محمد الرصيص لمعرفتنا بقدرته على رصد الساحة بشكل دقيق وأكاديمي عوداً إلى كونه أحد روادها والشاهد على مسيرتها منذ أن كان طالباً بمعهد التربية الفنية ثم إدارياً بالمعهد مع ما تبع ذلك من رصد لكل خطواتها من خلال مساهماته كفنان ومحاضر ثم رئيس لقسم التربية الفنية فأمين لمجلس إدارة الجمعية السعودية للثقافة والفنون وهذا كله يجعله قريباً جداً من الساحة عارفاً لتحركها ومتابعاً لخطوات تطورها كما جاء في كتابه.
الكتاب يحمل عنوان تاريخ الفن التشكيلي بالمملكة العربية السعودية فيما يقارب المائتين صفحة وثمانية أبواب جمعها الدكتور الرصيص بالشمولية والتوثيق فحق له أن يكون مرجعاً يضاف إلى المكتبة التشكيلية.
تقديم الكتاب
قدم الكتاب الدكتور عبد العزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة الإعلام للشئون الثقافية ننقل بعض مما جاء فيها حيث يقول.. تواصل وكالة الوزارة للشئون الثقافية بدعم من معالي الوزير الدكتور عبد العزيز خوجة إصدار السلاسل الثقافية التي تخص كل منها مساراً ثقافياً معيناً.
من أبرز هذه السلسلة (المشهد الثقافي) التي تناولت جوانب مختلفة من واقع الثقافة بالمملكة، ضمن مفهوم الواسع للثقافة.
ويأتي هذا الكتاب في هذه السلسلة ليركز على جانب فني أصبح له حضوره الكبير في المشهد الثقافي والفني بالمملكة.
ويضيف د.السبيل أن هذا الكتاب (تاريخ الفن التشكيلي) في المملكة العربية السعودية يتسم بالشمولية في التناول التاريخي والنقدي، بدأ من منتصف القرن الماضي، مع وجود المحاولات الفردية، مروراً بالجانب التعليمي والأكاديمي ثم البناء المؤسسي للأجهزة الحكومية والثقافية والتوسع في النشاط الفني عبر المعارض الفردية والجماعية.
مسمى ومرجعية تاريخية
وقد يكون في وصف المحتوى بالتاريخ شيء من الإشارة إلى الأقدم وأن هناك مراحل سابقة تعد مرتكزاً ومنطلقاً لهذا الفن ولها حقها في التوثيق ويمكن الاعتراف بها كمرحلة تأسيس أسوة بالتوثيق العالمي الذي يحرص على ربط الحديث بالبدايات ولو كانت فطرية أو بدائية عائداً إلى ربطه بأوائل الفنانين الشعبيين في تقديمه التاريخي الثقافي للفن التشكيلي حيث أشار المؤلف في الباب في الأول تحت عنوان تقديم تاريخي ثقافي إلى تنوع الصناعات الحرفية وعلاقتها بالمجتمع وما تتضمنه من عناصر العمل الفني بمفهومه الحديث سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة تتعدى في توظيفها التوظيف الفطري. ويواصل الدكتور الرصيص تنوعه في الأبواب ابتداء من الباب الأول الذي اشتمل على ثلاثة محاور الأول الحرف اليدوية كما أشرنا سابقاً والتعليم النظامي المبكر ثم المؤثرات الغربية، أما الباب الثاني والذي وضع له ولبقية الأبواب التي تليه إلى الباب الخامس عنوان (مراحل النمو والتطوير) فقد اشتمل على مراحل أربع الأولى من 1373هـ إلى 1390هـ تضمنت وزارة المعارف وأول معرض للنشاطات المدرسية، الدورات التدريبية المبكرة، تطوير المناهج المدرسية، المعارض الفنية المدرسية المبكرة، البعثات الدراسية المبكرة، إنشاء معهد التربية الفنية، المعارض الفنية المبكرة (الشخصية والجماعية) تأسيس مركز الفنون الجميلة بجدة، المرحلة الثانية من 1391هـ إلى 1400هـ اشتملت على العناوين التالية استمرار البعثات الخارجية، مشاريع تجميل المدن بأعمال فنية، تأسيس إدارة الشئون الثقافية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، تأسيس أقسام التربية الفنية بالجامعات، أما المرحلة الثالثة من 1401 إلى 1423هـ فقد اشتملت على العناوين التالية:
البعثات الخارجية للدراسات العليا، تأسيس مزيد من أقسام التربية الفنية بالكليات، تجميل المؤسسات الحكومية بأعمال فنية، صالات العرض الفنية الحكومية، مساهمات مؤسسات حكومية أخرى في تشجيع الفن التشكيلي، مساهمات القطاع الخاص في تشجيع الفن التشكيلي، ازدياد المعارض الفنية داخلياً وخارجياً، تكوين الجماعات الفنية، الصحافة الفنية، المؤلفات التشكيلية، واختتم د.الرصيص مراحل التطور بالمرحلة الرابعة من الباب الخامس والتي أرخها بعام 1424هـ إلى يومنا هذا بالعناوين التالية، وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشئون الثقافية، وكالة وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الدولية.
أما الباب السادس فقد حمل عنوان المصادر والمجالات والاتجاهات الفنية ومنها مصادر الإلهام، مجالات التعبير الفني، الاتجاهات الفنية، أما الباب السابع فقد خصصه للرواد الأوائل والأجيال والباب الثامن رؤية مستقبلية وتوصيات، ثم ختم الكتاب بالمراجع والسيرة الذاتية. هذه الإشارات نضعها مفاتيح للتفاصيل التي يتضمنها الكتاب الذي سيجد فيه الباحث والمتابع والمثقف الكثير من المعرفة عن هذا الفن الذي لا يقف عند هذا الحد بقدر ما سيجد المؤلفون الكثير من إنجازاته التي تستحق أن يصدر لها مؤلفات جديدة في قادم الأيام.
monif@hotmail.com