حينما نتأمل في كثير من القضايا فسوف نجد أن منها ما هو مطلق أي ثابت لا يمكن أن تتغير قناعاتنا تجاهه ومنها ما هو نسبي أي يمكن أن نبحث فيه أكثر ونتعمق لنصل إلى رؤية وتصور بنسبة معينة.
وإن معرفتنا بما هو مطلق وما هو نسبي سوف يساعدنا كثيرا على بناء بنية معرفية متماسكة، كما أن الخلط بينهما سيؤدي إلى تخثر في أوعية العقل وفساد في أفكاره.
ولعلي أوضح شيئا من ذلك من خلال اللمسات الثلاث التالية:
- إن من رحمة الله بعباده أن بين لهم ما هو مطلق حتى لا يحارون في تفسيره والبحث فيه، وبين لهم ما هو نسبي ليتح لهم فرصة الاستفادة من عقولهم، والمتتبع لحال كثير من الفلاسفة على مدى التاريخ ممن قد ابتعدوا عن المنهج الرباني يجد أنهم حاروا كثيرا في إيجاد تفسيرات وتعليلات لعدد من القضايا المطلقة، حيث حدا بهم الزمن إلى أن يصلوا إلى طرق مسدودة.
- لم تكن النظرية النسبيَّة لأنشتاين محصورة في الفيزياء بل إنها ساهمت في توسيع دائرة الوعي الإنساني في رؤيته للحياة، ومع ذلك فقد عمد بعض الفلاسفة والمفكرين إلى تعميم تلك النسبية على كل ما في الكون، بينما لو استفيد منها في غير المطلقات والثوابت فإن التقدم الحضاري والرقي الروحي سوف يدعم كلاهما الآخر.
- في هذا الزمن قد يصعب أحيانا أن ننظر لبعض الأمور على أنها خير محض أو شر محض، لكننا بحاجة أكبر إلى معرفة خير الخيرين وشر الشرين، لذا فإن العقل النهضوي بحاجة إلى تفعيل العقل النسبي في القضايا النسبية التي تحتمل الخلاف.
- إن النظر بنسبية يقتضي ألا نعتقد أننا نملك الحق المطلق وقت الاختلاف مع أحد وأنه يمكن أن يكون هناك أدلة وبراهين مع الطرف الآخر، والحقيقة أن اكتساب ذلك يحتاج إلى وقت طويل من الممارسة والنضوج.
-
+
- أبها