قبل أن تصدر «الثقافية» بسنوات زار مكتبَ التحرير الثقافي بصحبة صديق الجميع أبي يعرب القشعمي، وعرض اقتراحًا باستبدال ملحق «تابلويدي» وسط العدد بملحقي الأحد والخميس، وشرح وجهة نظره المتجهةَ لتمييز العمل الثقافي عن بقية صفحات الجريدة، وقام بعمل نموذجٍ آنيٍّ يدعم رؤيتَه ويبررُ أهميتها.
لم يكن الوقتُ يأذنُ بأكثر من تفكير ورغبة وصمت؛ فطوي المقترحُ الجميل إلى حين، ثم انبعثَ مع «عصر النهضة الجَزَرية المالكية» فصعدت فكرة المجلات التخصصية، وصدرت «الثقافية» تاليةً لمجلة الجزيرة وسابقةً لمجلتي المعلومات والسيارات، واستمرت بشكل «التابلويد» المنفصل لا المتصل، وقريبًا تدخل عامها العاشر.
كان من أوائل المهنئين بصدور هذه المجلة الصحفيَّة وأحدَ أعمدة المتعاونين معها بكتاباتٍ انتظمت زمنًا جميلا، وبقي متابعًا ينثر آراءه وملاحظاته حولها، وفرغ لمشروعاته الإبداعية والتوثيقية؛ فقل التواصل دون أن يخبوَ الحب.
من «الزبير» أضاءت موهبته، ورأى في معسكرات الحرب العالمية الثانية جنودًا أجانبَ يرسمون ويصورون ويهتمون بالوجوه والمساجد والأسواق؛ فراقبهم بحس الطفل ووعي النابه، وأهداه أحدُهم لوحةَ مئذنة فاحتفى بها، وأيقن أن في داخله ميلا فآنس من نفسه رغبةَ تنميته.
من الزبير للبحرين ورحيمة وجدة فالرياض تواصلت سيرة الفتى الموهوب، وكانت «خربشاته» على الجدران صغيرًا منطلق التميز كبيرًا، ولا ينسى قريبه «الفنان ناصر الخرجي» وكتاب «الأحياء» لأخيه الكبير؛ فقد فتحت له مسارًا في عالم الألوان والخطوط والخيوط والأطياف والصور، ولم تأتِ اقتراحاتُه للإصدار الثقافي داخل صحيفة الجزيرة من فراغ؛ فقد حرر صفحة تشكيلية في جريدة المدينة قبل عقود.
تبدو تجربتُه الفنيةُ ثريةً؛ ما دفع مريديه ليحتفوا به وبها عبر كتاباتهم ومؤلفاتهم وبحوثهم الأكاديمية، كما أن ريادته وجمال روحه وحسن تعامله جعلته نائيًا عن جدليات الفنانين التشكيليين وإن انضوى في جماعاتهم؛ فبدا «الاتصال المنفصل» - كما اقترحه لملحق الثقافة - أسلوب حياة.
يطلُّ من بوابتي «التراث والمرأة»، ويؤمن أن واقعنا التشكيلي خاضع لاجتهاد لا منهج، ويرى أن لشخصيته الجادة دورًا في نأيه عن الساحة؛ فهو لا يحسُّ بالتهميش، ولا يُحاذر تغيير الرأي، ويثق بإمكانات الجيل الجديد، كما يرى أن ما هو موجود من صحافة تشكيلية لا يرتقي للمأمول منها، وهو - بآرائه هذه وسواها - يمثل شخصيته الناقدة الصريحة النائية عن المجاملة والتكاذب والالتفاف.
الأستاذ عبد الجبار بن عبد الكريم اليحي (الزبير 1931م-) درس فنون الطباعة إضافة للفن التشكيلي، وعمل في الصحافة والقوات الجوية، وأقام معرضه الأول عام 1973م والثاني عام 1984م؛ ما يشيرُ إلى أناته وعدم استسلامه لإغراءات الانتشار، وقد طالب محبوه وتلاميذه بتكريمه على مستوى الوطن ؛ فثمانون عامًا من عطاء الصمت تستحقُّ بعضَ صوت.
أبو مازن يعكف -منذ سنوات - على تأريخ مسيرته الممتدة، ونتمنى أن تكون قد اكتملت؛ ففيها قراءةُ لوحةٍ وحلمٍ وظلال، ولأن الأستاذ اليحيى مثقف وقارئ وكاتبٌ بامتياز فإن لما يقوله وزنًا يعدل حجم سعيه ووعيه وكفاحه.
«الألوان» عنوان.
-
+
Ibrturkia@gmail.com