أراد الله جلت قدرته أن يكون الإنسان - عابد خزندار في عداد بناة.. [الصيغة الثقافية السعودية].. وهو مثقف متنور بكل المقاييس. وعندما تذكر.. [الحداثة]..، في تاريخنا الثقافي. فإن اسم الأستاذ القدير - عابد خزندار، يبرز في أعلى القائمة. لقد كان الخزندار يتحمس في معظم الأحيان للمعارك في سبيل إقرار النصر لموقفه الثقافي. وفي ظني أن الخزندار تعلم من تلك التجاريب الثقافية الصعبة أن معاركها لا تربح، ولا تحقق خسارة، بقدر ما ترسم ملامح موقف في المشهد الثقافي. حسب قناعات المختلفين.
أنني أكبر وأقدر الخزندار لأجل دقة معلوماته وصراحة تحاليله للقضايا والأزمات، واتساع ثقافته المتنية. بل إنه يجذبني في شخصيته.. [استقلاليته].. التامة وهذه من أهم مزاياه شأناً. لديه آفاق سياسية مختلفة عن غيره من الكتاب، وتلك الآفاق شكلت له ضمانات كثيرة تؤكد نزاهته في مواقفه وكتاباته. ومن يتابع كتاباته الصحافية يجد أن الخزندار يلتزم في تعامله بحياد شديد في الطرح يشهد على توسع عقله ومتانة نزاهته الفكرية.
شخصية الخزندار الثقافية والفكرية جذابة، وهي ذات قيمة أساسية، وخاصة أن ثقته في قرائه كبيرة، ولا تهتز مهما تغيرت مواقف القراء. وهو يملك.. [ تفاؤل عقلاني ].. في كثير من المعالجات الصحافية والثقافية والفكرية. كما أن الخزندار واضح الرؤيا، فلذلك تجد أن معظم إنتاجه الثقافي والصحافي قد بعد كلياً عن.. الصراعات المختلفة...
لدى المفكر عابد خزندار عقيدة فكرية راسخة هي إيمانه الكبير بوحدة الوطن، وهذا الوطني السعودي يعتبر نفسه منتمياً إلى الوطن العربي. وهذا ما جعله يتعرف بعمق لما يدور في الساحة العربية.
لم يهتم أحد في بلادي بالمثقف الخزندار منذ زمن بعيد، وجهده التنويري وإسهاماته الصحافية والثقافية في جعل التنوع الثقافي وسيلة للرقي والارتقاء. ورفض أن يكون التنوع الثقافي عبء، وهذا ما كون هذه المكانة المرموقة لعابد خزندار. لقد تأخر تكريم هذا الرجل.
لقد أسهم عابد خزندار المثقف والمتنور والمفكر والصحافي عبر مقالاته ونشاطه الصحافي في ترسيخ الهوية الثقافية السعودية. وكان.. [لمنطقه الثقافي].. و..[بصيرته الفكرية].. الدور المؤثر في المحافظة على قيمة القضايا المطروحة على ساحتنا. عابد من صناع الرأي العام المتشبع بالقيم والمثل والمبادئ.
لا أحد يستطيع أن يسوق الخزندار إلى.. [فخ ثقافي أو صحافي].. لتصعيد قضية صحافية أو ثقافية فهو يعرف حجم وخطورة الانجرار وراء الاندفاع للدفاع عن قضايا خاسرة، وليس له فيها ناقة ولا جمل.
في مغبة القرار والركض إلى التاريخ الثقافي والصحافي، سوف نجد أن عابد خزندار لا يخاف من الظهور، ولكنه يرفض من انزواء الحال الثقافي.
وتميزت كتابات هذا الرجل الكبير بالوعي والشعور بالمسؤوليات الوطنية والثقافية، ويحمل في داخله ضراوة الفكر. فلذلك فقد ارتقى هذا الكبير بالذات والشعور والتأملات.
صحيح أنه لم يكتب عن.. [جمهرة المستضعفين].. في الوطن. وتجاوز قضاياهم وبعد عن همومهم وأوجاعهم في مرحلة ما من تاريخه الصحافي، ولكنه ظل الباحث الصادق عن ارتقاء كرامة المواطن، والمحافظة على عزة النفس في داخله.
إن الوعي والإحساس بالمسؤوليات الوطنية المختلفة، وجرأة الفكر، وصلابة الموقف، وقوة المبادئ، وتعالي الكرامة، وشجاعة الموقف، وقوة قبول النتائج هي السمات الإنسانية والثقافية والصحافية التي أظهرت اسم الخزندار بقوة في معارك الحداثة وخصومها الأقوياء والفاعلين.
لقد صنع عابد قدرة الخاص به في قضية الحداثة وحدد مواقفه العلنة منها، ولم يعبأ بالمترتب من النتائج لأنه امتلك العدة والحجة والبرهان والمنطق وارتبط خلال تلك المعارك القوية بقيم ومبادئ أرفع ما فيها الإخلاق للحقيقة والقضية.
لم يكن الخزندار في قضيته الوطنية والثقافية والصحافية جدولاً بلا ماء كغيره من المثقفين المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون.
إن عابد لاعب أساس ومهم في الساحة الثقافية والصحافية السعودية، صحيح لأن اهتماماته بالشأن الداخلي ضيقة وربما محدودة، إلا أنه في السنوات الأخيرة دخل إلى ساحة الشأن الداخلي والكتابة في ساحته بقوة وعزم وفكر نير. فامتازت كتاباته الصحافية بالقوة والجرأة. فهو قارئ جيد للشأن الداخلي، وبما أنه صاحب عقل مستنير ولديه حاسة صحافية قوية وفاعلة كان الكثير من القراء يطربون للأفكار والمعالجات التي يطرحها في مقالاته. ولم يعرف عنه أنه من المغامرين الصحافيين. لكن أسلوبه المتميز في كتابه المقال جعله في قائمة الكتاب المميزين.
وتعرض الخزندار لكثير من النقد والملاحقة الصحافية من مختلف المواهب الصحافية المميزة. وبعضهم أصحاب النزعات الضيقة والأفكار المغلقة. وبعضهم أصحاب تحاسد وغيره.
ولا أبالغ حين أقول وبكل صراحة وجرأة: إن عابد خزندار يعد ـ في نظري ـ هكذا أزعم هو أبرع (مايسترو) كاتب صحافي في الساحة الصحافية في فترة ما.
وهذا ما ميز نقاشاته المهنية والثقافية والصحافية، وله سرحاته الجيدة في الفلسفة نتيجة قراءاته الطويلة للفكر الغربي الذي فتح ووسع مداركه في كثير من المجالات. ولكن ظلت.. [أهواءه الثقافية العربية].. ثابته وراسخة. ولديه قدرة فذة على تقبل الأفكار مهما كان مستواها ونوعها. لأنه في الأخير يحب أن يناقش كل شيء. وهذا ما جعله دائم الحديث والتعليق على المستجد على مختلف الساحات.
يملك الخزندار.. [نكهة تحدي].. مميزة تسعى إلى جرح الوعي الخامل في الذات البشرية وتلك النكهة جعلته.. [قلعة الرأي الحر].. في زمن القوة لشهود الزور والكذب والنفاق.
وعابد ومن خلال كتاباته المختلفة يقوم في الاستتارة الثقافة والمعرفة والاطلاع، وهذا ما جعله نافذ الرؤية لقراءة مختلف الأحداث والمواقف في ظل الحقيقة لا غيرها.
لا يختلف معي أحد أن عابد خزندار من المثقفين والمتنورين الذين ظهروا في الأزمنة الصعبة، ومشوا في الطرقات الشاقة وغير الممهدة. ولولا أنه يملك الطموح والقوة المعنوية لما بقي اسمه يلمع يومياً على صفحات الصحافة.
كتب عابد في قضايا نصره الحق، وإقرار العدل والدفع لقول الرأي الحر، والتمسك بالأخلاق وقيمها. لذا فإننا نؤكد أنه يملك بصيرة فكرية لا تهادن، ولا تخشى، ولا تخاف.
استلهم عابد أفكاره الراسخة من وطنه، أما ثقافته الواسعة فهي غربية الهوى والمقصد. ولا داع للعجب لأن من تمتع بمثل هذه الثقافة المتنوعة والمتنورة يمكنه أن يتنبأ بكثير من الأشياء.
تميز إنتاج الخزندار المختلف أنه لا يخشى أن يبوح ما في مكنونات المواطن ونفسه. ومن خلال ذلك البوح لا يمكن للوعي والإحساس أن يظهر إلا عبر جرأة التفكير وهذا منهج الخزندار.
لم يكن عابد في أي يوم أو في أي سطر من إنتاجه الكبير أن يدعم.. [أداة علة الظلم].. ولم يشترك في نمو الفساد الثقافي ولا بأي شكل من الأشكال. فهو مناضل ثقافي من نوع مميز، ولم يقع في الحيرة التي وقع فيها الكثير من المثقفين والمفكرين، رفض الحيرة وأصر أن لا يرى أي وجه من الهزيمة. كما تميز منهجه الكتابي بمرتكزات مهمة:
1-: رفض الشك في الموقف الثقافي والكتابي.
2-: رفض التريث في اتخاذ الموقف الحازم حين الحاجة.
3-: رفض التردد في الإقدام أو عدمه لمعالجة قضية ما.
4-: رفض النفاق والتملق والرياء الثقافي.
5-: رفض فلسفة التأويل للمواقف.
6-: رفض الكذب.
7-: رفض تزوير الحقائق.
8-: رفض مبدأ التحفظ في أي موقف.
9-: رفض السذاجة في التفكير الثقافي.
10-: رفض نشر الأفكار المسبقة الصنع في جهات ما.
11-: رفض نشر القيم الفاسدة المعممة والتي انتشرت في المجتمع.
12-: رفض غض النظر في كشف الظلم وأعوانه.
13-: رفض تحمل الصمت في كثير من القضايا والأمور.
14-: رفض الهجرة عن ذاته.
15-: رفض الخجل من قول الحق.
وعند تحليل هذه المرتكزات الرصينة في منهج عابد خزندار نجد أن هذا الرجل الكبير لم ينشغل عن مسؤولياته الوطنية والثقافية والصحافية بل شعر بالعبء الثقيل للمسؤولية النافعة التي فرضتها.. [مواقف الثقافة الحرة].. وكان هدف هذا المثقف الرصين هو أن يصل بتلك المسؤوليات إلى مقصدها بأقصر الطرق. وسلك الطريق الصحيح. ولم يهمل اللوحات الإرشادية التي علقت ووضعت على جانبي الطريق. نعم حمل المسؤولية على أكتافه وعقله وخاض البحث وتقصى الحقائق. فأبعد خيبة الأمل، وعالج الآلام في مشواره الطويل والشاق والمتعب والممتع.
هذه أجزاء بسيطة في حياة ومنهج الأستاذ المثقف القدير، والمتنور العالي المكانة، والمفكر الواعي المرتفع القامة عابد خزندار.
-
+
Faranbakka@yahoo.co.uk
- مكة المكرمة