الكتابة عشق عميق وعادة لا يمكن لمن أدمنها التوقف عنها، فهي أداة لتفريغ الشحنات العقلية والنفسية، وهي القالب الذي حفظ المعرفة عبر العصور وهي منبع لتصدير الأفكار. ومهمة البحث والقراءة هي الشاقة حقا بينما تعتبر الكتابة المحطة التي يتوقف عندها الجواد المتعب لكي يستريح ثم لا يلبث بعدها أن يستأنف نشاطه، وهي مرآة تعكس ثقافة الشعوب حيث يقول تشرشل: «ابحث عن حقيقة الأمة في حبر المطابع وصفحات الصحف».
الكتابة هي الأداة الرائعة لتنظيم الخريطة المعرفية الذهنية، لأن الكتابة على الورق نحت في العقل، فالكاتب عندما ينشر فكرة ما فإنها سوف تتجذر في عقله لعدة أسباب من أهمها أنه سيستفيد مما يسمى بالتغذية الراجعة من خلال مناقشة الآخرين له، فالقارئ النهم مهما كثرت قراءته إلا أنه سيظل غير قادر – إلى حد كبير – على بلورة أفكاره وإنضاجها دون أن يشارك الآخرين فيها، وهذا لا يعني أن النشر يكون مقروءا فقط بل مرئي ومسموع أيضا بل وبمناقشة المقربين ولكني أعتقد أن النشر المقروء هو أمد عمرا وأعمق تأثيرا، وأذكر أنني قبل عدة أسابيع كنت أتابع لقاء تليفزيونيا مع أحد المفكرين المعروفين وهو يتحدث بروعة فكرية فائقة ولكن بعد انتهاء الحلقة أخذت أفكر في مصير أفكاره بعد موته، وحتى لو أصبحت تلك الأفكار مبذورة في عقول طلابه ومريديه أو محفوظة مرئيا إلا أنها لا يمكن أن تعمر كما لو كانت مكتوبة ومنشورة وكما قيل فإن الأقوال تطير والكتابات تبقى.
إنني أشعر بخيبة أمل حينما أسمع تميزا لمفكر أو مثقف ثم لا أجد له إنتاجا مكتوبا أستطيع من خلاله التجول في أرجاء عقله، وحين أناقش البعض في مثل ذلك يعتبر أن النشر أمر جانبي وغير أساسي، وللأسف فلقد تشرب بعض الشباب هذه الفكرة، فمهما كانت روعة أفكار الشخص إلا أنه لا يمكن أن يستمر توهجها دون نشرها بتوسع.
صحيح أن الكتابة مهارة ليست متيسرة لكل أحد إلا أن صاحب الفكر بإمكانه أن يلخص عصارة أفكاره في مسودة ويعطيها لغيره لكي يبحث فيها بعمق ويرتبها ويصوغها بالشكل الملائم كما هي طريقة الدكتور طارق السويدان في كل مؤلفاته، فهو يصرح دوما أنه يعشق التحدث أكثر من الكتابة التي يعتبرها نقطة ضعف عنده.
- أبها