أقول للقلب في أنس وفي جذل
يا عاشق الشام هذى غوطة الشام
فاطرب ولا ترعوي للعاشقين ولا
تصغي إلى هذر عذال ولوام
هذي حياتك فاسعد بالوجود بها
وعانق الحور بين الزهر والجام
يا طيب أنسي بأصحابي ومفخرتي
بهم ومن طيبهم تزداد أيامي
غنيتهم بوفائي من محبتهم
شعري ورددت بالألحان أنغامي
(أحمد بن محمد الخليفة)
تعد غوطة دمشق واحدة من أحسن مباهج الدنيا، فقد تغنى الشعراء بها ومجدها الأدباء وتفتقت عبقرية العلماء.. فهي مصيف ومتنزه.. تظل ذكرى الساعات والدقائق التي تمضي بها عالقة بالذاكرة طول العمر، لذلك لم ينعم أحد بزيارتها والتمتع بمناظرها الطبيعية وهوائها العليل، إلا وقد ذكرها شعراً أو نثراً متغزلا في محاسنها وآسفاً على فراقها.
وأحمد محمد الخليفة.. شاعر ذواقة لا يعجبه إلا الجميل النادر.. لذلك فهو عندما يتغنى بمباهج غوطة دمشق ومفاتنها فإنه يشهد بما شد إحساسه الذي تدفق على الورق شعراً عذباً رائقاً.
والأبيات التي اخترتها للشاعر أحمد الخليفة من مقطوعة تحمل العنوان نفسه.. يقول في مطلعها:
قد عدت للشام مشتاقاً لغوطتها
مع كل ندب من الإخوان مقدام
قد جئت من جزر (البحرين) مبتهجاً
وفي ركابي (نواسي) و(خيامي)
فما علينا إذا زاد السرور بنا
من كل وجه من الآرام بسام
في ختامها تحدث عن مشاهداته وأشواقه:
فيها التي صغت آهات الفؤاد لها
شعراً ومن بعدها كسرت أقلامي
إن شئت نظم القوافي جئت غوطتها
عند الضحى وبها وحيي وإلهامي
كأنما (بردى) والحور مائله
في شطه صورة من صنع رسام
الزهر يفضحني من قطر كل ندى
والماء يجري دفوقاً تحت أقدامي
عاهدت نفسي لن أقطع زيارتها
ما دمت حياً.. لتروي قلبي الظامي
ولا أدري إن كان الشاعر قد كسر أقلامه فعلاً.. أم أن القافية أجبرته على تكسيرها قولاً لا عملاً.. فهو شاعر ويظل مادام به رمق يقول الشعر ويسجل بالقلم.