أن يُقال للمحسن أحسنت واجب وجوب أن يقال للمسيء أسأت. ومبدأ الثَّواب أنفع للأمة من مبدأ العقاب، ولا خير في أُمَّة لا تعرف سوى السَّوط تجلد به من أخطأ بينما يكون حظ المصيب والمبدع فيها نكراناً وجحوداً يصدق فيه مثل عربي مشهور حيث يقال «فلان مثل زوجة الأعمى مهما تجَّملت لا يُرَى جَمَالُها»!! أقول هذا بين يدي هذا الموضوع لتأكيد نجاح فكرة التَّكريم وثبوت جدواها على مستوى الأفراد والدول والجماعات.. فقد أكرم المبدعون وكوفئ المتميِّزون فكان نتيجة ذلك نهضة كبيرة للبلاد كلها ونجاح لدول لم يكن لها وجود في ميدان التَّقدم العلمي والتقني، وأبرز مثال لذلك ماليزيا.
وفي المملكة العربية السعودية رجال مُتَميِّزون كثيرون، وشباب عاملون ناجحون، ومن حق هؤلاء وأولئك أن يُشكَروا ويكافؤوا، وقد وجهنا ديننا لمبادئ الثواب وصور التكريم، والسيرة النبوية حافلة بأمثلة ذلك.
وفي هذا المقال قراءة في تجربة من تجارب مبدأ التكريم في بلادنا.
ففي مساء يوم الخميس 19 من ربيع الثاني 1432هـ أقيم حفل يُعَدَُّ الأول من نوعه في مدينة الدلم لتكريم الأستاذ سعد بن عبدالرحمن الدريهم رجل التعليم والتاريخ والإدارة - شفاه الله وأعظم له الأجر والمثوبة -. وقد حضر الحفل جمع من أصحاب السمو الأمراء والمعالي والسعادة المسؤولين، وحضره من وزارة الثقافة سعادة وكيل الوزارة المساعد للشؤون الثقافية والمشرف على المكتبات الدكتور عبدالعزيز بن صالح العقيل. وأُقيم الحفل برعاية الشيخ سعد بن عبدالله الغنيم، وكان حفلاً جميلاً ورائعاً، برزت فيه إيجابيات ومَوَاطن جمال وتألق، من أبرزها:
1- يُعدُّ الحفل - كما أسفلت - بادرة طيبة وسُنّة حميدة وبداية حسنة لمشوار طويل لتكريم أعلام الفكر والتاريخ والإبداع والتأليف في الدلم والخرج، وكان لمدير مكتبة الدلم العامة الأستاذ عبدالله بن حمد البسام شرف بداية الفكرة وعرضها على الوزارة وموافقة الوزارة عليها كما هي رسالتها التي بدأت في الرياض ومدن أخرى؛ حيث كرمت أعلاماً بارزين، منهم الدكتور غازي القصبي والدكتور محمد عبده يماني والشيخ محمد بن ناصر العبودي والشيخ عبدالله بن محمد بن خميس - رحم الله من مات منهم وأجزل الأجر والمثوبة للأحياء وبارك في جهودهم -.
2- وللمنظمين أيضاً شرف الدعوة لذلك اللقاء الجميل المتميز؛ حيث حضر الحفل أعلام كرام جاء بهم التواضع وسمو الأخلاق ونبل المقصد، منهم سمو الأمير سعود بن سلمان بن محمد وسمو الأمير محمد بن سلمان بن محمد ومعالي الفريق ناصر بن عبدالعزيز العرفج وفضيلة الشيخ عبدالله بن محمد الخليفة.
3- جعل التكريم يوم الخميس حيث تمكَّن عدد كبير من سكان الرياض من أهل الدلم وغيرهم من الحضور والمشاركة، وذلك ما كان يصعب لو جعل التكريم في غير يوم الخميس.
4- توزيع الكتب؛ حيث أحضرت الوزارة وبعض المؤلفين كتباً منوعة لتوزع على الحضور والراغبين في القراءة والبحث الأدبي وغيره.
5-الحضور الكبير جداً للشباب، وهذا نجاح للحفل يُسَجَّل للوزارة؛ فالشباب مستهدفون؛ فإنّ لسان الحال يقول لهم «هؤلاء آباؤكم وقدوتكم، عملوا وحققوا نجاحاً؛ فأكملوا المشوار واقتدوا بهم واحملوا الرسالة كما حملوها».
6- لقد أحسن المنظمون الاختيار حينما أقاموا الحفل في قاعة نَوَّارة في الدلم؛ فهي موقع متوسط في البلد واضح الوصف، ومن حسن الحظ وجودها مقابل مكتبة الدلم العامة في مكانها المستأجر، ووجود المواقف التي تتسع لعدد كبير من السيارات، ثم توافر الإمكانات والتجهيز في القاعة التي أكملت بأجهزة أخرى تم توفيرها لغرض هذا الحفل.
هذه بعض إيجابيات الحفل ومواطن تألقه.
وبجانب تلك المواطن الجميلة برزت تساؤلات وملحوظات، أوجزها هنا ليتابعها من يهمهم الأمر مستقبلاً، ونحن جميعاً منهم:
1- سؤال كرَّره بعض المشاركين في الحفل، وسمعناه مراراً في مدينة الرياض وغيرها: لماذا لا يُكرَّم المبدعون مبكراً؟ لماذا لا يُكرَّم المتميزون وهم أحياء أصحَّاء؟ فالوزارة كرَّمت القصيبي ومحمد عبده يماني - رحمهما الله - بعد موتهما، وفي الدلم يُكرَّم سعد الدريهم وهو على سرير المرض لا يستطيع الحضور.. هل يسعد المكرمون بتكريم يحضرونه؟! سؤال للوزارة ومسؤوليها.
2- لماذا غاب عدد كبير من أساتذة الجامعات في الخرج والرياض، ومنهم العشرات من أبناء الدلم، من تلاميذ سعد الدريهم ومحبُّيه ومحبي الدلم وأهلها؟ لا أعرف سبباً لذلك! وأعلام آخرون كان حضورهم سيزيد الحفل تألقاً وجمالاً؟!
3- بعض المتحدثين في الحفل لغته ركيكة، وبدا الضعف بارزاً في أسلوبه وتعبيره!!
4- المؤَلَّف البارز للأستاذ سعد الدريهم هو كتاب الخرج من سلسلة (هذه بلادنا)، تلك السلسلة الجميلة البديعة الرائعة التي كانت تصدرها الرئاسة العامة لرعاية الشباب قبل سنوات ورعاها الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله وغفر له -، ثم توقفت، وانتقلت مسؤوليتها إلى وزارة الثقافة والإعلام، ولم تحرك فيها ساكناً.
وكان الحضور - وأنا منهم - في شوق للحصول على نسخة من الكتاب؛ حيث سألت الأستاذ سعد قبل مرضه إن كان عنده نسخة يهديها إليّ فقال «ليس عندي إلا نسختي الوحيدة إن أحببت أن أصورها لك»!!!! لأن الكتاب نفد، ولم يُطبع مرة أخرى، شأنه شأن بقية السلسة.. وهنا أخاطب منظمي الحفل: لماذا لم يطبع الكتاب طبعة خاصة لهذا الحفل، والراعي الممول للحفل سيرحب بالفكرة؛ لأنها لا تكلف شيئاً بجانب تكاليف الحفل، وبخاصة إيجار المكان والعشاء. ثم إن سلسلة (هذه بلادنا) مهمة جداً للأجيال القادمة؛ فهي سِجل تاريخي جغرافي شامل لمدن وقرى بلادنا حرسها الله، فمتى توليها الوزارة عناية تستحقها، وتوكل مهمة مراجعة ما صدر منها للجنة خاصة مؤهَّلة تعيد طباعتها عاجلاً، وتواصل إصدار السلسلة بتكليف باحثين من المدن التي لم يؤلَّف عنها شيءٌ حتى الآن، والتعاون مع الجامعات في هذا الشأن؟!.. سؤال أرجو أن يجيب عنه معالي وزير الثقافة والإعلام وهو الأديب المثقف الحريص على ثقافة هذا البلد ونشاط أبنائه والتعريف بمدن بلادنا كلها.
5- بشَّرنا الأستاذ عبدالعزيز بن صالح العقيل المشرف على المكتبات في الوزارة بتحويل المكتبات إلى مراكز ثقافية، وهذه خطوة رائدة شجاعة، وهي الخطوة التي طالبنا بها كثيراً، وقد كتبت عنها فيما سبق، وتمت القناعة بها الآن، فمتى تُنفَّذ؟!! ومتى توفَّر الإمكانات اللازمة لها؟ فالمبنى المستأجر لا يساعد على تلك الفكرة، فمتى نرى المبنى الحكومي، وبخاصة أن الأرض موجودة لدى الوزارة، وقد وعدتنا الوزارة خيراً منذ فترة؟.. ثم أين الموظفون المؤهلون لإدارة (المركز الثقافي)؟ نأمل أن تضع الوزارة الخطط لإنجاح الفكرة وتطبيقها والاستعانة بمن ترى الوزارة فيهم إنجاح الفكرة وتكوين اللجان اللازمة لذلك بمتابعة أمناء المكتبات.. الطموح كبير، والآمال كثيرة، والدولة - رعاها الله - وفَّرت الإمكانات المادية، أوليس من المناسب أن نرى آمال شبابنا وآبائهم محل العناية من وزارة الثقافة وهي الراعي الوحيد لثقافة المملكة العربية السعودية، وأن نرى إنجازات حث عليها خادم الحرمين الشريفين مراراً وأوصى بها وقدَّم لها دعماً كبيراً؟.. ذلك ما نضعه أمام الدكتور الأديب عبدالعزيز خوجة؛ عسى أن نرى ونسمع الخطوات العملية لدعم الثقافة في كل مدينة وقرية من بلادنا الكريمة قريباً.
* * *
* عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية
- الخرج