هذا اسم كتابي الذي تفضل بنشره (مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) وهذا نص مقدمته أعرضها لمن قد لا يتيسر له أن يطلع على الكتاب.
ظاهرتان في تراث العربية لا ينتهي منهما العجب أولاهما الشعر الجاهلي وأخراهما النحو العربي؛ فكلا الظاهرتين تبدوان شامختين وما زال لهما حضورهما المؤثر في ثقافة العرب إلى يومنا هذا.
وأما النحو العربي كما ظهر في كتاب سيبويه فقد ظل غضًّا يتجلى في آثار الدارسين وما زالت الدراسات تتوالى متناولة مضمونه أو منطلقة منه أو مقتبسة؛ فمعظم ما يكتب في الدرس النحوي في عصرنا الراهن معتمد بشكل أو بآخر على مدونة النحو الأولى وهي كتاب سيبويه، وعبر محمد العياشي صاري في بحث حديث عن أن النحو العربي كان لسانيًّا قبل أن تعرف اللسانيات.
إن مبعث العجب في هذا النحو أننا لا نجد له من الإرهاصات ما يكشف عن سر منشئه كشفًا تطمئن إليه النفوس. وكل محاولة لربطه بأمة أخرى تجد من ضعف الحجة ومن تهافت الدعوى ما يصرف النظر عنها. ومن عجائبه ما أسلفناه من استمرار حضوره على الرغم من تتابع الجهود والدراسات ولئن عجب بعض اللسانيين من تمسكنا به واطمئناننا إليه فليس مرد ذلك إلا على قوة إقناعه وثبات صرحه وليس قولنا هذا بمعش النظر عن عيوب ظاهرة في بعض مفاصله ولا ظهور ثقوب في إهابه؛ ولكن العلوم مهما استقام كيانها واستوى عودها هي جهود بشرية تحتاج إلى فضل المراجعة ومعاودة الدرس ولكن الأركان لا تزول والصروح لا تتداعى.
إن من المغامرة الزعم بأن كتابة تاريخ النحو كتابة ترضي العقل المتطلع وتطمئن إليها الأفئدة ممكنة؛ لأن النحو تاريخ أمة طال عهدها وتنوعت إبداعاتها فليس من الأمر الهين أن يُزوى ذلك في سفر وإن طال وتعددت أجزاؤه. ومن أجل ذلك آثرت أن أكتب مقدمة يسيرة هي أدنى إلى التعريف بمنشئه وببعض رجاله وكتبه وهي مقدمة موجهة للطالب المبتدئ وللقارئ الذي يقنع بخبر النحو دون أن يلج في تفاصيل أمره.
كان هذا الكتاب في أصله مذكرة كتبت على عجل لتفي بدرس تاريخ النحو لبعض طلاب قسم اللغة العربية في جامعة الملك سعود. ولمّا كان المقرر في نظري أقرب إلى الثقافة منه إلى العلم المتعمق جاءت صياغة الكتاب على هذا النحو الذي يتوخى الوضوح في العبارة والمباشرة في الطرح والاجتزاء بالمعالم الكبرى. ويتألف من تمهيد وأربعة فصول. ويفي التمهيد بما يمكن أن يعد محاولة لتلمس نشأة النحو العربي، وأوليات هذا النحو. وأما الفصل الأول فتناول المراحل المفصلية في النحو العربي وهي مرحلة النشأة ومرحلة النضج ومرحلة التدوين الأولى. وأما الفصل الثاني فهو يتناول أكثر مظاهر النحو حضورًا وهو الخلاف بين البصريين والكوفيين في محاولة لبيان أسبابه وأصوله المعتمدة. وأما الفصل الثالث فقد اهتم بانتشار النحو في البيئات العلمية الأخرى. وأما الفصل الرابع فهو الوجه الآخر لتاريخ النحو وهو الحديث عن الجهود النحوية نفسها متمثلة في كتب النحويين فصنفت من حيث ميادين درسها وطرائقها في التأليف.حاولت في هذا الكتاب تجنب ما صاحب تاريخ النحو من مؤثرات سياسية أو اجتماعية لأن ذلك أمر يطول بيانه وتتعدد مسالكه ولم يظهر منه إلا ما لابد من ظهوره.
ولعل من الجدير بالذكر أني اعتمدت في إعداد هذا الكتاب على مصادر أساسية لا بد من ذكرها هنا لأهميتها وإن كانت مذكورة في متن البحث وقائمة المصادر والمراجع، وأما أولها فهو كتاب محمد خير الحلواني (المفصل في تاريخ النحو العربي)، وكتاب عبد الرحمن السيد (مدرسة البصرة النحوية نشأتها وتطورها)، وكتاب عبد الحميد السيد طلب (تاريخ النحو وأصوله) وكتاب مهدي المخزومي (الدرس النحوي في بغداد). أرجو أن أكون وفقت إلى الغاية التي أردت، وأرجو أن يجد القارئ فيه ما يسر الخاطر ويمتع النفس ويقنع العقل.
الرياض