سببان لتعقيبي على مقالة الأستاذ خالد الرفاعي «هشاشة الرؤية وانشطار القراءة»:
السبب الأول: عبارة وردت في مقالته تتضمن أن سبب رده على الهويمل والذي لم يرض به هو «احتقارنا» نحن الذين قرأنا الكتاب، وأنا قرأت الكتاب وقرأت رأي الهويمل وهو مقبول في مجمله لم يخرج عن موضوعية الكتاب، لكن غير المقبول أن يمارس الرفاعي بلطجته الثقافية باسمنا نحن الذين قرأنا الكتاب ولم نعترض على ما قاله الهويمل لأن حرية الرأي مكفولة للجميع ومن أراد التفنيد فعليه تقديم قراءة للكتاب موازية لقراءة الهويمل لا ممارسة بلطجة باسم قرّاء الغذامي، وأنا لا أرى في رأي الهويمل أي احتقار لقراء الكتاب.
والسبب الثاني هو رفضي التام كقارئة للغذامي وتلميذة له ومحبة له أن يمارس الرفاعي بلطجة ثقافية باسم الغذامي أو بمبرر الدفاع عنه، ففي أشد خصومات الغذامي لم يتهم خصومه بالتلقي الفاسد أو المغشوش أو الولدنة أو المواقف الساذجة، حتى يأتي الرفاعي فيتهم منتقدي الغذامي بهكذا صفات، وأن يحرِّض الغذامي من خلال بلطجة مقالته على منتقديه ويصورهم له بهذه الصورة البشعة بأنهم شرذمة لا يفهمون وعثرة في مسار مشاريعه النهضوية، غلبهم الفساد الثقافي وسذّجهم التلقي المغشوش ويحملون حسابات خاصة لتصفية منجزه الثقافي.
كما أعتقد أن من حق الأستاذ محمد الهويمل أن يعرض رأيه في كتاب «الفقيه الفضائي» مهما كان ذلك الرأي، وأظن أن الأستاذ الهويمل لم يتجاوز فيما قاله العُرف الثقافي أو أدبيات الرأي الاختلافي فرأيه كان ينطلق من خلال الكتاب، وحسبما أرى، فقد اعتمد الهويمل على منطق موضوعي مقبول لصياغة رأيه وإن كان فئوياً.
ورأي الهويمل بأن كتاب الفقيه الفضائي هو كتاب عادي ولم يقدم أي جديد يتفق معه الكثير من المثقفين الذين اطلعوا على الكتاب ولا أُنكر أثر الفقه الفئوي على أدوات التقويم ها هنا، وإن كان مفهوم الجديد وقيمته يظلان أمراً تختلف عليه الرؤى والمداخل القرائية، مع أنني أختلف مع الأستاذ الهويمل أو غيره فيما يتعلق بفكرة انتفاء وجود «الجديد» في الكتاب، وهذا ما سأوضحه من خلال قراءة قادمة.
فالغذامي في كتابه الفقيه الفضائي يسعى إلى عرض فكرة «لبرلة الفقه» وفقهنة الفكر على استحياء، وإعادة تدوير النظام الفقهي، والغذامي في هذا الكتاب يحاول أن يشتق نموذجاً فكريّاً يوازي نموذج «الفقيه الفضائي» أو «النجومية الفضائية لرجل الدين» من خلال «المفكر الفضائي» أو «النجومية الفضائية للمفكر» كما يريد أن يشتق نموذجاً لاهوتياً لفقهنة الفكر يوازي لاهوتية النظام الفقهي التقليدي. لكن ما أدهشني هي «البلطجة الثقافية» التي مارسها الأستاذ خالد الرفاعي ليس على الهويمل فقط، بل على كل من يملك رأي مختلِف عنه أو رأي ينتقد المنجز الثقافي للغذامي أو رأي يتفق مع الهويمل من خلال مقالته البلطجية «هشاشة الرؤية وانشطار القراءة». وكنت أظنه سيفند رأي الهويمل من خلال تقديمه قراءة للكتاب يُثبت من خلالها عكس ما ذهب إليه الهويمل في قراءة الكتاب، وأعتقد أن هذا هو التصرف الثقافي الحضاري، لا تتبع تاريخ أفكار الهويمل والتفتيش في نواياه.
لكنه فاجأنا بدلاً من ذلك ببلطجة ثقافية تتهم ليس الهويمل فقط، بل كل من يريد نقد المنجز الثقافي للغذامي بأنه نموذج للتلقي المغشوش والتلقي الفاسد وصاحب موقف ساذج ونمط مكسور من التلقي وصخرة في مسار المشاريع النهضوية للغذامي وتحركه حسابات خاصة، «بخ بخ»!
ولم يبق للرفاعي حتى تتشابه لغته مع لغة حكام العرب المخلوعين إلا أن يقول إن هناك مؤامرة ضد الغذامي تحركها «أجندة خارجية»!.
وإذا كان الرفاعي يعترض على احتقار الهويمل لكل من قرأ الكتاب أو قرأ الغذامي، فأنا أيضاً أعترض على أن يتهم الرفاعي كل من عنده رأي ضد كتب الغذامي أو مواقفه الفكرية وأنا من ضمنهم أن يتهمنا بالتلقي المغشوش والفاسد والموقف الساذج.
فالغذامي بلا شك هو «رمز ثقافي» وليس «بوثن ثقافي» ولن نرضى أن يحوّله أحد إلى «وثن ثقافي» أو إلى نظام ثقافي مستبِد نحيطه بالتقديس فلا يقترب منه أحد ولا ينتقد منجزه أحد ونصف كل من يعلن سقوطه الفكري بأنه متلقٍ فاسد ومغشوش وصاحب موقف ساذج فلا «ألوهية» في الثقافة، ولا نظام ثقافياً استبدادياً يقمع الرأي الآخر ويتهمه بالولدنة والسذاجة والمؤامرة وفق حسابات خاصات.
وإن كان الرفاعي مارس بلطجته الثقافية ضد كل من انتقد المنجز الغذامي أو من سينتقده دفاعاً عن الغذامي، فالغذامي لا يحتاج إلى هكذا نوع من البلطجة للدفاع عنه، وإن مارسها مجاملة للغذامي، فالغذامي لا يحتاج إلى مجاملة بلطجية.
وإذا كان الأستاذ الرفاعي قدَّم أربع مقالات عن الغذامي وكلها «مادحة» للغذامي لها الفضل في شهرته عند المتلقي الثقافي، فهذا لا يعني أنه يتصف بتماسك الرؤية وتكامل القراءة.؟
فأنا قدمت تقريباً أكثر من عشر مقالات عن الغذامي، وتضمنت تلك المقالات قراءات لبعض كتبه وقراءات لبعض مواقفه الثقافية على مستوى المشهد الثقافي، حيناً أقول له «برافو» إذا أعجبتني أفكاره من وجهة نظري، وحيناً انتقده بقسوة إذا لم تعجبني مواقفه الثقافية أيضاً من وجهة نظري، وفي الحالتين يظل الغذامي بالنسبة لي «رمزاً ثقافياً» و«قدوتي الثقافية».
- ولذلك لا أستغرب عندما ينتقد الهويمل تارة أفكار الغذامي وتارة يمدحها وفق مرئياته الخاصة -.
فقد كتبت سابقاً بأن موقفه من الحداثة لم يكن ناضجاً وطرحت سؤالاً هل «أفسد الغذامي الثقافة السعودية»؟
ولم يعجبني موقفه أو تبريره لاستقالته من جائزة الشيخ حمد الراشد وكتبت عن ذلك.
ولم يغضب الغذامي لأنه مؤمن بالرأي الآخر، ولا أظنه يقبل بأي بلطجة ثقافية من تلميذ له دفاعاً عنه أو باسمه.
ورغم معقولية أفكاره فيما يتعلق بالليبرالية الثقافية عند بعض السعوديين فلم تعجبني «اللغة البطولية» التي استعرض بها تلك الأفكار.
وأعتقد أن الفترة الأخيرة بدأت تسيطر على الغذامي فكرة النجومية وأن يتحول إلى «نجم تلفزيوني» ولعل هذه من أهم أسباب الانقلابات الثقافية غير المبررة للغذامي على المثقفين وكأنه خارج منظومتهم، وعلى الليبراليين مع أن الغذامي لم يكن لبرالياً كما يعتقد البعض، بل كان من حلفائهم ولم ينتقل إلى الإسلاميين كما يعتقد البعض، بل أصبح رسمياً من حلفائهم، أو هكذا أظن.
وكما أنني قدرت مواقف الغذامي المتطرفة من وزارة الثقافة السابقة، إلا أن موقفه «الرخو» من الوزارة الحالية يحيرني، فهي لم تقدم أي إصلاح ثقافي حقيقي حتى الآن ليغير موقفه.
وبلا شك فإن تقديم حسن النوايا هو أمر مطلوب لكن التأييد هو الذي أتحفظ عليه، وقد أعجبني موقفه في معرض الكتاب عندما اعتذر عن تقديم محاضرته تضامناً مع ما حدث.
كما أن المواقف الفكرية للغذامي على مستوى التعاطي مع المشهد الثقافي لا تعجبني وأجد أنها تفتقد إلى قليل من العقلانية الثقافية أو هكذا أظن، وأن أفكاره لا تملك «جرأة سياسية» أو هكذا أظن وهذا أيضاً لا يعجبني في النظام الفكري للغذامي.
وعلى مستوى آخر فأنا مفتونة بكتب الغذامي وبشخصيته الإنسانية.
ولا أدري موقفي من الغذامي وفق المستويين السابقين هل يعني أنني أعاني من وجهة نظر الرفاعي البلطجية من «هشاشة الرؤية وانشطار القراءة» والتلقي الفاسد والمغشوش والمواقف الساذجة.؟
وهل يمكن تطبيق وجهة نظر الرفاعي البلطجية «هشاشة الرؤية وانشطار القراءة» على التحولات الثقافية للغذامي؟.
فالغذامي له في كل عام رأي متحوّل، ولو تتبعنا مقابلاته عبر الصحف أو عبر النت أو عبر التلفزيون كما فعل الرفاعي مع الهويمل لوجدنا عنده أفكاراً كثيرة متحوّلة.
فهل يمكن أن نقول وفق البلطجة الثقافية للرفاعي أن الغذامي يعاني من «هشاشة الرؤية وانشطار القراءة»؟ أو يجوز له ولي أيضاً ما لا يجوز لغيرنا؟.
أما فيما يتعلق بكتاب «الفقيه الفضائي» بإيجاز لأن هناك قراءة مفصلة ستتناول الكتاب.
فأعتقد أن كتاب الفقيه الفضائي لم يُرض الليبراليين ولا الإسلاميين.
فالإسلاميون ظنوا أن الكتاب سيترجم الانقلاب الثقافي الذي أعلنه الغذامي على الليبراليين لكنهم وجدوا الكتاب مناصراً لدعوات الليبراليين فاعتبروا أن الغذامي قد استغفلهم وخدّرهم بانقلابه على الليبراليين و«ضحك عليهم ومدّ لهم لسانه»!.
والليبراليون ظنوا أن الكتاب سيقود ثورة على اللاهوت الفقهي في السعودية، لكنهم وجدوا الكتاب «خمور قديمة في قوارير جديدة» وللخلف دور،! فاعتبروا أن الغذامي قد تاجرَ بأفكارهم بعد أن فرّغها من قيمتها وأيضاً قد «ضحك عليهم ومدَّ لهم لسانه»!.
وهذا سبب من الأسباب التي أعجبتني في الكتاب أقصد «مخالفة أفق التوقع الفئوي»، وأشياء أخرى.
sehama71@gmail.com
جدة