أدب الرسائل المكتوبة يكاد أن يندثر بعد طغيان الوسائط الرقمية من جواليه وإيمليه وغيرها .
إن احد رواد هذا «الأدب الرسائلي» الشيخ عثمان الصالح تغمده الله برحمته،وكم هم الذين تلقوا «خطابات» منه تفيض بالخير أو تشي بالنصيحة أو تتأرج بعبق المحبة.
لقد أحسن الصديقان الفاضلان أ.خالد بن حمد السليمان و أ.بندر بن عثمان الصالح عندما أشرفا وأعدا وهيئا و اختارا جزءاً من هذه الرسائل وأصدراه في سفر نفيس «رسائلي .. عثمان الصالح».., وقد جاءت الرسائل مرتبه ومتنوعة في موضوعاتها وممثلة طيفا كبيراً من أبناء مجتمعناً فمن رسائل له وإليه من طلابه, وأخرى من أصدقاته وثالثة من وإلى أحد المسؤولين.. إنك نادرا ماترى الشيخ عثمان إلا مكبا إما لتحبير مقاله أو كتابه رسالة .
وقد أحسن الفاضلان بنشر صور لهذه الرسائل بخط الشيخ وخطوط المرسلين إليه توثيقا لها،ولأن رؤية خط الكاتب يرى فيه القارئ حركات أنامله بل كأنك ترى نبضات قلبه.
وهناك فارق كبير بين رسالة تصلك بخط ونبض مرسلها وبين رسالة مطبوعة على الجهاز الجامد فلا تحس فيها حرارة المشاعر مثلما تحس بذلك وأنت تقراً كلمات الكاتب بخط يده.
في هذا الرسائل صورة من ملامح المجتمع وقت كتابتها سواء في علاقات الناس ببعضهم،أو علاقة الطالب بأستاذه أو المسؤول بمراجعيه .. كما تجد فيها تقدير واحترام الطلاب لمعلمهم فمثلا في رسالة وجهها الأمير محمد بن سعود بن عبدالعزيز إلى أستاذه الصالح ختمها ب»ابنكم المطيع» وتلمح بساطة مطالب المسؤولين لجهاتهم وأنظر ص66 رسالة الشيخ عثمان للشيخ بن عدوان التي ضمنها مطالبه لمعهد الأنجال.
أشياء رائعة استوقفتني في سفر هذه الرسائل وهي العلاقة الحميمة بين المعلم وطلابه،فقد كان الشيخ عثمان مديرا ومعلما ومربيا .. لم تكن علاقته بطلابه داخل حدود المعهد فقط بل كان يتابع طلابه في حياتهم وعند التحاقهم بالجامعة, بل وحتى عند سفرهم إلى الخارج لإكمال الدراسة «انظر رسالته للأمير فهد بن عبدالعزيز الملك فيما بعد- رحمه الله - بشأن ابتعاث ابنه الأمير محمد» وقد انعكس هذا الاهتمام من الشيخ عثمان الصالح على طلابه ..اقرؤوا رسائل بعض طلابه إليه قبل سفرهم إلى البعثة, بل إنهم يقومون بزيارة أستاذهم الصالح في منزله لإفادته ببعثتهم والاستنارة بتوجيهاته, وبعض هؤلاء الطلاب أمراء مثل الأمير محمد بن فهد وأخوه الأمير سعود والفريق فيما بعد سعد بن عبدالله التويجري (رسالة صـ)234.
إن هذه الرسائل تتحدث عن مرحلة رائعة كان فيها التواصل كبيراً وعميقاً بين المدرسة والبيت بين الأب ومدير المدرسة ولم يكن الأب مهما كانت مسؤولياته ينشغل عن هذا التواصل أو لا يحتفي بهذه العلاقة فهذا الملك سعود - رحمه الله - يراسل الشيخ عثمان يسأل عن أبنائه ويطلب منه الإفادة عن وضعهم الدراسي وانتظامهم ونشاطهم.
لقد جسدت هذه الرسائل دفء التواصل بين أفراد المجتمع و مدى احترام الصغار للكبار فضلاً عن حدب ورحمة الكبار بالصغار بل سجلت أمراً جميلا وقد يكون غريبا هذه الأيام في أوساط الطلاب ذلكم هو شوق الطلاب لمدرستهم - وأينهم من طلاب اليوم – فهذا الأمير بندر بن سلطان يرسل رسالة مؤثره لأستاذه الصالح يفيده فيها بشوقه إلى طابور المعهد الصباحي.
ان هذه الرسائل تكشف عن وفاء المجتمع للمربين الذين خدموا في أشرف ميدان وهوميدان التربية والتعليم.
اقرؤوا رسالة بالغة التأثير تلقاها الشيخ الصالح بعد ان ودع معهد العاصمة النموذجي الذي أعطاه نضير عمره ونضارة شبابه.. صـ320 إنها رسالة وفاء من سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز للشيخ عثمان الصالح فقد بعث سموه رسالة أدبيه جميلة للشيخ عثمان جاء وصفه له «بالمجاهد الكبير الذي نذر نفسه في كفاح ضد الجهل .. أخرج أجيالاً تفخر بهم هذه الأمة يشعّ من جباههم الإيمان بالله ويتمسكون بالعروة الوثقى».
وبعد:
إن الجلوس إلى هذا الكتاب فيه متعة, يقرأ فيه الإنسان ملامح من سجايا المحبة والخير والتواصل والعلاقات وقوة في مجتمعنا منذ أكثر من نصف قرن وحتى انتقال الشيخ عثمان الصالح إلى رحمة الله بل تقراً فيها الجوانب التربوية والحياتية المضيئة.
امتنان وافر للصديقين أ. خالد وأ. بندر على ما بذلاه من جهد كبير حتى أصدرا هذا السفر الجميل ورحم الله الشيخ النبيل عثمان الصالح.
الرياض