وصف نظره؟ فقيل: “جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلاحَظَةُ”، والملاحظة مصدر من الفعل (لاحظ) كاللّحاظ، وهو على بناء (فاعَلَ) مزيد الفعل (لحظ)، ويدل المعنى المعجمي الأصلي للفعلين على النظر من مؤخر العين، ومن هنا كانت الفضيلة في صفة النظر الذي لا يقتحم ما ينظر إليه، وهذا المعنى الحسي الذي يدل عليه الفعلان. والمتأمل لاستعمال الفعلين يرى أن زيادة المبنى في (لاحظ) جاءت لزيادة معنى، فإن يكن الفعل (لَحَظه) تدل على رؤية واحدة فإن (لاحظه) فيها تكرار ومعاودة لحظ، ولذلك قرنت بالمراقبة والرعاية، وربما يُدل به على عمق اللحظ والإدراك، جاء في (معجم جمهرة اللغة): “راعيته بعيني لاحظته”، جاء في (العقد الفريد، 2: 460): “حضر أعرابي سفرة هشام بن عبد الملك، فبينما هو يأكل إذ تعلقت شعرة في لقمة الأعرابي، فقال له هشام: عندك شعرة في لقمتك يا أعرابي.
قال: وإنك لتلاحظني ملاحظة من يرى الشعرة في لقمتي! والله لا أكلت عندك أبدا.
وخرج وهو يقول:
وللموت خير من زيارة باخل
يلاحظ أطراف الأكيل على عمد
وانتقل الفعلان (لحظ/لاحظ) من المعنى الحسي إلى المعنوي، ونجد ذلك كثيرًا في استعمال الزبيدي في (تاج العروس) إذ نجده استعملهما بمعنى الإدراك غبّ التأمل، من مثل قوله: “وكأَنَّ الجَوهرِيَ لَحَظَ هذا المَعْنَى”، وكذا قوله: “وكأنّ المُصَنِّف لاحظَ ما ذَهَبَ إليه ابنُ جنِّي”، وقوله”وكأنّ المُصنِّفَ لاحظَ هذا فلم يذكُره”، واستعمال صاحب التاج فيه تفريق بين المجرد والمزيد فهو يستعمل (لحظ) بمعنى (رأى) ويستعمل (لاحظ) بمعنى (أدرك)، وأما المحدثون فأكثروا من استعمال اللفظين (ملحوظة/ ملاحظة)، وجاء في العجم الوسيط ما يشرح استعمالهما الذي وصف بأنه من المولد: فـ”(الملحوظة) كلمة توضع على هامش الكتاب أو غيره عنوانًا على ما ينبه عليه من خطأ أو سهو أو نقص”، وأما الملاحظة فـ”ما يؤخذ على الرأي أو الكتاب من هنات”، والملاحظة “(في البحث العلمي) مراقبة شيء أو حال طبيعي أو غير طبيعي، كما يحدث، وتسجيل ما يبدو لغرض علمي أو عملي، كمراقبة نمو النبات أو ثورة بركان أو سير كوكب أو حال مرضية أو علاجية”.
ولكن بعض المعلمين ربما أنكر استعمال (لاحظ ملاحظة) ودعا إلى الاقتصار على (لحظ ملحوظة)؛ ولعله توهم أن الفعل (لاحظ) فيه دلالة على المشاركة؛ لأنه رأى كثيرًا من الأفعال على بناء (فاعَلَ) تدل على مشاركة مفعولها لفاعلها بالفعل، من مثل: قاتل، وصارع، وحاسب، وعاون، وكاسر، ولكن هذا البناء قد تأتي عليه أفعال أخرى ليست دالة على المشاركة بل تدل على معانٍ أخر كالمبالغة مثل (ضاعف، وباعد)، قال سيبويه: “وقد يجيء فاعَلت لا تريد بها عمل اثنين، ولكنهم بنوا عليه الفعل كما بنوه على أفعلت، وذلك قولهم: ناوبته وعاقبته، وعافاه الله، وسافرت، وظاهرت عليه، وناعمته” (الكتاب، 4: 68).
ولعلك إن أردت أعيان الأخطاء والهنات التي رأيتها في قول أو كتاب سميتها (ملحوظات) فهي جمع ملحوظة اسم المفعول من (لحظ)؛ لأنك رأيتها ولحظتها، وإن أردت نقدك وبيان جهة الخطأ في قول أو كتاب قلت (ملاحظات) وهو جمع (ملاحظة) اسم المصدر من (لاحظ)، ولعلها ترادف التنبيهات.
1523-
- الرياض