ها هو الحول يكاد ينقضي ولمَّا على عمر مقال: (مأزق التحديث في السعودية من العواد إلى الغذامي) الذي كتبته في صحيفة "الوطن" ؛ أثناء توقف "الثقافية"، معلقا على اللقاء الذي أجرته قناة "دلِيل" عبر مذيعها المتوقد د.عبدالعزيز قاسم، مع الأستاذ الدكتور: "عبدالله الغذامي" وقد تعرضت فيه لما كاله د.الغذامي لثقافتنا ومثقفينا من اتهام بالتزييف ؛ وهو ما يثبت له - حسب رأيه - في كل مرة، وذلك من خلال عدم معارضة المثقفين والمثقفات للتعيينات في مجالس إدارة الأندية الأدبية وعدم كتابتهم مبتهجين بعودتها، وعرضت لما نال الأفاضل "إياد مدني وعبدالعزيز السبيل" من سهام ظالمة من الدكتور الغذامي، بعد اتهامهما بأنهما كانا يكتبان مقالات مستعارة ضده، وترحيبه الموغل في النسقية بانتصار الدكتور"عبدالعزيز خوجة" الذي سماه آنذاك: " المنتصر الوحيد" في معركة الانتخابات، وقد طالبت د.الغذامي حينها بالاعتذار ؛ بعد أن أوضحت له بالأدلة مجانبته الصواب ؛ حيث إن اللائحة الأساسية كانت قد أرسلت للأندية الأدبية لدراستها، منذ عهد مغادر الوكالة الدكتور عبد العزيز السبيل، الذي كان حريصا على إقرارها، بعد أخذ رأي الأندية فيها.
كما طرحت مجموعة من الأسئلة على الدكتور الغذامي حول ممارساته الفردية في نادي جدة حين كان عضوا في مجلس إدارته، والتي أشار إلى بعض منها في لقائه وهي ممارسات لا تتفق وروح التعددية التي ينشدها ويغازلها باستمرار، فقد خلقت حالة "غذامية" خاصة في التعامل مع الانتخابات تعد مظهرا مغريا لمن يريد أن يتحدث عن "الديمقراطية والتعددية على الطريقة الغذامية" ! وكنت أظن - وبعض الظن إثم - أن "الغذامي" سيعتذر حينما يعلم الحقيقة، وهو ظن قار في ذهني ترسخ من وقوعي تحت تأثير مخدر "النسق الغذامي" الذي يتوسل بالجمالي الإقناعي في سبيل تمرير أنساقه المضمرة، وهو نسق عنيد ومخاتل يستطيع أن يراوغ ويتسلل، ويدافع ويهاجم، ويستعمل المخاشنة العنيفة، متوسلا بضعف وهشاشة عاطفتنا العربية ؛ التي تتباكى مع النسق حتى لو كان الرثاء مصطنعا، والمرثي طاغيا مستبدا، متجاهلة حالة الوعي واليقظة ...أقول: كنت أظن أن الدكتور الغذامي سيعتذر، حتى تتسق جمالية الجانب التنظيري التعددي لديه، وما يتبعها -قطعا- من الاعتراف بالحق، والرجوع إليه، ممارسةً عملية تؤكد لنا النظري، وتسمو به غير أنه لم يجب ! وإن كنت لا زلت أرقب توضيحا أو اعتذارا منه بقليل من الأمل وكثير من الأسى ...وربما أقمت مأتما خاصا على الديمقراطية والتعددية والموضوعية، وسأدعو إليه "النسقيين" الجدد، وصقورهم، وحمائمهم ؛ ليتحدث كل منهم في جانبه الخاص به، سواء أكان سياسيا أم ناقدا أم مفكرا، عن أحدث الآليات الأسلوبية في إقناع "الآخر" بادعاءات الصدق والموضوعية والتعدد، وأكثرها فعالية في الاستخدام الإعلامي، مع عرض لأحدث مهارات المقاطعة، وطريقة إعلانها، وكيفية استثمارها، وتغطيتها - على طريقة طبق اليوم - بقليل من البكائيات على حال الانتخابات، وقمع الإقصائية، وغياب النزاهة عند المثقفين والمثقفات !
وعود إلى الانتخابات " طيبة الذكر" سأذكر أيضا أنني تساءلت حينها سؤالا بريئا مع أسئلة أخرى - لا مجال لطرحها - عن معنى مقاطعة د.الغذامي للأندية الأدبية، بحجة الانتخابات، وهو الذي مكث نائبا لرئيس نادي جدة الأدبي عشر سنوات، مع أن اللائحة تقول: أربعا ! ولا إجابة بالطبع، وقد غاب المقال، وتضاءلت أحلامي في قدرة الدكتور الغذامي على الانعتاق من نسقه، ودعوت الله أن يهدينا للحق، وأن يكفينا حظوظ النفس والهوى، وأن يجنبنا مزالق النسق، ويكفينا مكره وقبحه ..
بيد أن ما هيج الذكرى من جديد هو ما نشرته "الثقافية" في عددها 346 على لسان الأستاذ محمد علي قدس ؛ فقد كان ما نشر غريبا وعجيبا ! وكنت أظن - لغرابة ما قرأت - أن الدكتور "الغذامي" سيتلاحق الأمر في العدد القادم، ويصحح، ويستدرك غير أن العدد ظهر، وبان أن الدكتور "الغذامي" لا يعترض على ما نشر ! أما ما نشر فهو يصحح وهما وهمته أنا، وربما غيري من الذين لم يدركوا انتخابات نادي جدة التي لا زال الدكتور الغذامي يتغنى بها إلى اليوم، والتي تمت وكنت حينها في الصف السادس الابتدائي، ولعل ما زاد في الوهم هو التناقض الذي وقع فيه د.الغذامي في تقييمه لانتخاباتهم تلك، فهو في "حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية" يشكك في نزاهة هذه الانتخابات، حيث يشير إلى عدم تسجيل صوتين له وهو بالتالي لم يفز في الدخول مع الأعضاء إلا لاحقا وبطريقة عجيبة ! ثم يأتي في "الثقافية" العدد 345 ليصف تلك الانتخابات بأنها كانت ذات "شفافية عالية، ولا مجال لتسرب الظنون أبدا حول جمع الأصوات أو فرزها، أو ما شابه ذلك" وهو رأيه بعد أن دخل المجلس، ومع هذا القلق الذي أنتجه موقفا الغذامي، بين النزاهة والشك، يأتي صوت "قدس" الذي أظهره الله بعد كل هذه السنوات صوتا محايدا، جاء ليقول: لا ! فقد قال "قدس" وهو أحد الحضور الذين لم يكتموا الشهادة ما نصه:" وكانت نتائج الانتخابات: حسن القرشي رئيسا، عبدالله الزيد نائبا للرئيس، والأعضاء أحمد المبارك، مطلق الذيابي، عبد الفتاح أبو مدين، عبدالهادي الفضلي، الشريف منصور، وتساوي الأصوات لكل من عبدالله الغذامي، وعبدالله بن إدريس أجل اختيار أحدهما إلى جلسة يعقدها المجلس، فحظي الدكتور الغذامي بتزكية المجلس، وقد أصبح بعد انسحاب الدكتور الزيد من مجلس الإدارة نائبا للرئيس" هذه شهادة الأستاذ قدس بنصها، تشير في غير خفاء إلى أن سعادة الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي دخل المجلس "تزكية"، وليس انتخابا، كما دخل زملاؤه، وهو ذاته الذي قاطع الأندية، وهاجم المثقفين والمثقفات في السعودية الذين لم يعارضوا التعيين، ولم يكتبوا مستبشرين بعودة الانتخابات ! وهي دعوى ينقصها الدليل، ويدحضها الدليل أيضا ! على أن فيها من القطع والشمولية، ما يفقدها المصداقية والإقناع.
حسنا، إني أسألك أيها المثقف الغذامي الذي أجلُّه وأقدره، وهو الذي قال عن نفسه بوضوح المعتد الواثق: "إذا سئل لا يكذب في الإجابة": لم يا أيها الفاضل لم تشر إلى أنك قد دخلت بتزكية المجلس، لا بالانتخابات، حين كان الحديث مستفيضا منك على تلك التجربة في تلك الحلقة التلفزيونية تحديدا التي شنعت فيها على المثقفين والمثقفات؟ أعلم أنه لن يسرك شيء سرورك بالحقيقة حين تقال ! فهي حقيقة تاريخية مهمة، كشفها للتاريخ ولنا الأستاذ قدس ! أيسرك يا أيها الذي إذا سئل لا يكذب في الإجابة أن أذكرك بأنك قلت في الحلقة ذاتها: إن الجمعية اختارتكم ! وما حصل كان غير ذلك بالنسبة لك! أيسرك يا أيها الذي سئل لا يكذب في الإجابة أن أذكرك بأنك قلت عن المعينين في مجالس إدارة الأندية الأدبية الذي عينتهم الوزارة: إنها تعين كائنات ممسوخة عنها ! أتقول هذا، وأنت الذي دخلت "مجلس الإدارة" عبر تزكية مجلس الإدارة ! كم كان محزنا ومخيبا للآمال مجلس إدارتكم هذا ! وهو يأخذ "بديكتاتورية" عنيفة حق الجمعية العمومية ! ألم تكن القرعة أولى؟ أو إعادة التصويت التي ناديت بها أنت وليس غيرك في هذا الملحق قبل أسبوعين، حين تتساوى الأصوات لمرشحين، واقترحت على الوزارة أن تعمد إلى التصويت مرة أخرى ؛ لأن القرعة فيها ظلم لإنسان ما ! يا أيها الذي إذا سئل لا يكذب في الإجابة: ألم يكن منطقيا أن تخبرنا وأنت المناضل النظري من أجل الانتخابات أنك دخلت الجمعية لا عبر القرعة الظالمة ! بل عبر التزكية الأظلم ! أترى "التزكية" التي يمارسها ويكتبها عمد الأحياء وأئمة المساجد لجيرانهم من أجل قرض أو هبة، جديرة بأن تكون جسرا للوصول إلى مجالس الأندية الأدبية ! وسأحيل الإجابة - قطعا - إلى أمانة وصدق الذي إذا سئل لا يكذب في الإجابة ! ثم من هي تلك الأسماء التي كانت في الجمعية العمومية، وهل حقا ارتضى كل أعضائها أن تمنح المجلس حقها في اختيار أعضاء المجلس؟ يا سيدي دعنا من "الليبرالية الموشومة" وحدثني عن ذلك الرجل الذي ذكرت الرواية أنه عبدالله إدريس، الذي أخرجته من المجلس "ليبراليةُ مخرومة" وديمقراطية أخرم ! لم خرج؟ وبأي ذنب أزيح؟ ألم يشعر شخصكم الكريم ومجلسكم الموقر أن التزكية خرق، وتعد على الجمعية العمومية ! يا أيها المناضل عن الانتخابات: إني أسأل مجلسكم الكريم، في أي حي من أحياء جدة ترك الانتخاب والشفافية ومعه الجمعية العمومية، ثم جاء يمنح صكوك التزكية؟ ألم يكنالإمكان أن تكون ذاتك "أول" من تطبق عليها دعوتك نحو إعادة التصويت إذا تساوت الأصوات ! أم أنها الليبرالية الموشومة والمخرومة التي نحتفل بها وبمبادئها حينما نُنَظِر أو ننتصر، ونتجاهلها ونشكك فيها حينما تدير ظهرها لنا! أيحق لك أيها النسق المخاتل أن تخفي عنا جهود السيدة المحترمة "تزكية" التي جاءت مجلسكم الموقر على قدر من الحرفية المقيتة، وزفتكم نحو مجلس الإدارة، في ليلة "جداوية" حضر فيها كل شيء - فيما يبدو - إلا شيئا واحدا فقط يسمونه:"الانتخاب" !
أدعوك مجددا: أيها الرجل الذي إذا سئل لا يكذب في الإجابة، أن تقدم اعتذارا جديدا إلى السيد "التعيين" ؛ إذ هو كما أحسب زوج السيدة الفاضلة " تزكية " ورفيق دربها. أما اعتذارك من إياد "مدني والسبيل وعبد المحسن القحطاني" والمثقفين والمثقفات، فسأضيف له اعتذارا - خاصا - منك أيها المنصف لكل الذين عينوا من قبل الوزارة في مجالس الأندية الأدبية، واتهمتهم بأنهم كائنات ممسوخة عن الوزارة ! كيف لا تعتذر، وأنت أيها النبيل الوفي قد دخلت من ذات الباب الذي شنعت عليهم أن دخلوا منه ! أما عبدالله بن إدريس فقدره أنه جاء في زمن الانتخابات الموشومة والمخرومة ! بدليل ما جناه مجلسها المنتخب الموقر ! وليس له مني اليوم إلا أن أشاطره الأسى، وأدعو الله أن يجنب انتخابات اليوم ما زلت فيه انتخابات الأمس.
أيها الأستاذ الدكتور: الانتخابات فعل حضاري واع، ناضل المثقفون من أجله، وتخلى الصادقون عن مناصبهم من أجله ! مبدأ ليس فيه مناضل واحد، أو مقاطع واحد، وإن أوهمتنا الأنساق المتسلطة ذلك، وحاولت أن تقنعنا به ! ولكني باسم هذه الشفافية وباسم الموضوعية وباسم مصداقية من إذا سئل لا يكذب ! أسألك أن تقول الحقيقة، وأن تعتذر، حتى وإن كان اعتذارك في صورة المبرر لهذه الانتخابات بالقانون أو العاطفة أو ظرف الزمان والمكان ؛ كي لا أفقد البقية الباقية من اعتقادي بقلة تأثير النسق المخاتل العنيد عليك...عليه ما يستحق من طرد وبعد عن الموضوعية والصدق والأمانة.
114-
alhamd11@maktoob.com
* أبها