لم أكن أنوي الكتابة في هذا الموضوع مرة أخرى بعد مقالي في الأسبوع الماضي للأسباب التي ذكرتها آنذاك، لكني اضطررت اليوم إلى ذلك لأن زميلي الدكتور عماد حسيب -هداه الله- واصل كتابة مقالاته عن «مجلد الشعر» الذي صدر عن دار المفردات ضمن موسوعة الأدب السعودي وقمت باختيار نصوصه وكتابة مقدمته النقدية، وقد قمت بالرد على ما طرحه من ملاحظات على هذا المجلد في مقالي الماضي وسأعلق على ملاحظاته الأخيرة في نهاية هذا المقال، وإن كنت أتمنى أنه كتب ما يسميه مأخذاً واستدراكات قبل حصول الخلاف معه الذي سأوضح أسبابه في هذا المقال خاصة وأن مجلد الشعر لديه منذ سنين فلماذا الآن؟ كنت حينها سأشعر أنه كتبها بحسن نية حرصاً منه على أن يظهر عمل زميل له خالياً من الأخطاء، أما الآن فالواضح أنه كتب ملاحظاته منفعلاً وبعين ساخطة، ورغبة في التشقي والانتقام بدلاً من أن يتوجه في مقالاته للقضية المختلف عليها بيني وبينه ربما لأنه لا يملك دفاعاً منطقياً عما فعل فأراد أن يصرف النظر عن الموضوع ولو إلى حين.
نأتي الآن لموضوع الخلاف بيني وبين الدكتور عماد والقضية التي كنت لا أود الخوض فيها حتى لا أستبق حكم الجامعة وحرصاً مني على إبقاء القضية بين جدران جامعة الملك سعود ولكن ماذا أصنع والدكتور عماد -سامحه الله- يدفعني إلى ذلك دفعا، والقضية ذات شقين.
أولاً: قام الدكتور عماد بنقل فقرة كاملة من دراستي في مجلد الشعر ص86 تتحدث عن قضية الحداثة في المملكة، ووضعها بين علامتي تنصيص ناسباً إياها للدكتور عزالدين إسماعيل بالشكل التالي: (عزالدين إسماعيل: دراسات في الشعر العربي المعاصر/دار الكاتب العربي/ القاهرة/1967/ ص480).
حدث هذا في بحث الدكتور عماد ضمن ملتقى النقد الأدبي بالرياض الذي عقد في أبريل 2010م ثم حدث مرة أخرى في كتاب الدكتور عماد الجديد والذي ظهر بعد عام من الملتقى بعنوان: (الحداثة الشعرية في ربع قرن) ولكن الحقيقة تقول إنه لا يوجد كتاب لعز الدين إسماعيل بهذا الاسم إطلاقاً، والدكتور عماد زميل من بلد عز الدين ولا شك أنه يعرفه وتتلمذ على كتبه، وتخصصهما واحد وهو الأدب الحديث، فكيف يجعل لعز الدين كتاباً لم يصدره وكيف يكتب عز الدين عن قصيدة الحداثة في السعودية عام 1967م وهي لم تظهر بعد؟
كيف يكرر الدكتور عماد هذا العمل مرتين وفي مكانين مختلفين وعلى مدى فترة زمنية بين المطبوعتين؟ وماذا يمكن أن يسمى هذا؟ هل نسميه إهمالاً أو تهاوناً أو عدم مبالاة بشروط البحث وعدم دقة في المراجعة، هل هذه صفات لا تعيب الباحث؟ ثم ماذا إذا كان يعرف خطأه ثم يسكت عنه؟
في اللغة الإنجليزية هناك مثل مؤداه أنك إذا أخطأت فاجعل خطأك صحيحاً أي ممكن الحدوث حيث يقبله الناس على أنه خطأ فعلاً، لكن ما حصل مع الدكتور عماد يصعب أن نعتبره خطأ للأسباب التي ذكرت وسأترك للقارئ أن يفسر عمل الدكتور عماد بالطريقة التي يرى، ولكن سأضع التساؤلات التالية وهي: ألم يلاحظ الدكتور عماد ما كان تسطره يده وهو يكتب تلك الإحالة الخاطئة، ألم يخالجه الشك وهو يكتب ما يكتبه أو يعيد صياغة إحالاته؟ كيف تمر هفوة كهذه؟ فالخطأ هنا ليس في رقم صفحة أو دار نشر، نحن أمام اسم لكتاب لم يصدر ولم يؤلفه عزالدين إسماعيل فبالتالي فالكتاب ومعلومات النشر كلها معلومات لا أصل لها في الحقيقة.
سأضيف بأن بحث الدكتور عماد بالملتقى لا توجد فيه إشارة لعزالدين غير هذه حتى نقول إن التوثيق زحف بالخطأ من كتاب آخر، وعندما ظهرت هذه الحالة مرة ثانية في الكتاب ظهرت في فصل مستقل عن ذلك الذي نشره في الملتقى.
لا أعرف كيف أصف ما قام به الدكتور عماد في ظل ما ذكرت، ولكن بصراحة فإنه من الصعب أن أفترض حسن النية والرجل زميلي في القسم ويراني صباح مساء ثم لا يفاتحني بما حدث، ويظل في صمته لمدة عام حتى اكتشفت الأمر بنفسي، ولو اعتذر لي في البداية لقبلت عذره فوراً وانتهى الموضوع في حينه، لكن إخفاءه الأمر عني جعلني أرتاب فيما حدث وقد علمت من أحد الزملاء أن الدكتور عماد قال له إنه بعث للنادي ليتدارك الخطأ لكن النادي لم يفعل، وعندما سألت النادي قالوا إنهم لم يصلهم شيء من هذا، وما يهمني هنا أن الدكتور عماد -بحسب قوله- يعرف أنه كتب إحالة خاطئة ومع ذلك فضل أن لا يقول لي وأنا صاحب الشأن، وقد اكتشفت الأمر بالصدفة، لكن الدكتور عماد ينسى أن غيري أيضاً سيكون من السهل عليه كشف قضية كهذه تتعلق بكتاب لم يؤلف.
ثانياً: قام الدكتور عماد في كتابه المشار إليه باختيار كل نصوصه من الشعر السعودي -ما عدا نصين لهما قصتهما الخاصة- من مجلد الشعر وهي لأربعة عشر شاعراً، ولم يشر من قريب أو من بعيد لمجلد الشعر بعد أن عمد إلى نقل كل معلومات التوثيق وأرقام الصفحات نفسها كما أوردتها في المجلد حرفياً لكي يظهر للقارئ بأنه رجع إلى المصادر الأصلية، وهو في الواقع لم يفعل، وقد تتبعت الأمر بدقة، وتأكدت منه ومع هذا سأذكر أمثلة تؤكد ذلك:
1 - لقد نشرتُ نصاً في مجلد الشعر للشاعرة خديجة العمري - ليس لها ديوان منشور- وجدته في عدد قديم من مجلة اليمامة، وعند التوثيق سقط رقم الصفحة، فجاء الدكتور عماد ونقل نص خديجة ثم نقل التوثيق بالنقص نفسه ولو كان رجع لمجلة اليمامة حقاً لأدرك النقص وتداركه.
2 - سبق للدكتور عماد أن أعطاني قبل عام ونصف دراسة لنشرها في مجلة حقول - تصدر عن النادي الأدبي بالرياض- بصفتي أحد أعضاء تحريرها فلاحظت أنه رجع لمجلد الشعر سبع مرات ومع ذلك لم يشر إليه، فنبهته إلى ذلك فأعترف واستعاد مني الدراسة ليصلح الخطأ، ثم حينها قدمها لي مرة ثانية وجدت أنه أصلح ثلاث إحالات فقط ونسبها لمجلد الشعر، وترك الأربع الباقية كما هي دون تغيير، فتغاضيت عن الأمر بوازع المجاملة وإحساسي بأنه يعرف أنه أخطأ (الدراسة منشورة في عدد حقول رقم 9 فبراير 2010م) لكن الذي أذهلني حقاً أن الدكتور عماد في كتابه (الحداثة الشعرية في ربع قرن) أورد تلك النصوص الثلاثة نفسها ولكنه عاد فحذف الإحالة لمجلد الشعر وأعاد كتابة التوثيق من جديد مظهراً أنه عاد للدواوين وهو في الواقع لم يرجع بدليل اعترافه السابق.
3 - قام الدكتور عماد بنقل قصيدة (أسطورة) للشاعر الصيخان من مجلد الشعر ونقل معها كعادته في بقية النصوص كل المعلومات المتعلقة بالنص دون أن يحيل إلى مجلد الشعر موهماً القارئ بأنه رجع إلى الديوان، ثم احتاج إلى نص آخر للصيخان هو (فاطمة) ولأن النص ليس ضمن اختياراتي في مجلد الشعر، اضطر إلى أن يبحث عنه في مصدر آخر فوجده في كتاب الدكتور عبدالله الفيفي ولو كان الديوان لديه ما عاد للفيفي. إنني أتساءل إذا كان الدكتور عماد قد عاد إلى مجلد الشعر بهذه الكثرة والكثافة فما الذي يجعله يتجاهله كمصدر وسيط ولا يشير إليه إن لم يكن بداعي المجاملة لزميله فعلى الأقل بوازع الأمانة العلمية التي تلزمه الإشارة إلى النص في مكانه في المجلد لأن ذلك سوف يعفيه من الخطأ لو حصل في نسبة قصيدة لشاعر ما أو غير ذلك.
لا يمكن للدكتور عماد أن تأتي اختياراته كلها لنصوصه مجرد صدفة مع تلك النصوص الواردة في مجلد الشعر وبالصفحات نفسها والإحالات نفسها، ومن المؤكد أنه لو رجع للدواوين فعلاً لكانت اختياراته مختلفة، إذ ليس من المعقول ألا يجد الدكتور عماد في هذه الدواوين ما يصلح لدراسته إلا هذه النصوص التي اخترتها في مجلد الشعر.
ومن الواضح أن الدكتور عماد قد وجد أمامه نصوصاً مختارة وجاهزة في مجلد الشعر فاستسهل الرجوع إليها، لقد قال مرة إنه رجع للدواوين مباشرة وعندما أظهرت الأدلة خلاف ما كان يقوله سابقاً تراجع قليلاً وكتب في مقاله في الخميس قبل الماضي ما نصه: وقد أفدنا من المختارات التي شملتها الموسوعة (يقصد مجلد الشعر) ولكن يتوقف دور الموسوعة عند حد الجمع للنصوص دون القراءة النقدية أو التعليق أو الربط بالظاهرة الفنية، وتبقى الموسوعة من الوجهة (علمية مرجعا وسيطاً أو ثانوياً يتم الاسترشاد به فقط لكن عند إثبات المصدر يتم إثبات المصدر الأصلي وهو الديوان، ولا أعرف المقصود بكلمة (استرشاد) لدى الدكتور عماد إذا كانت كل نصوصه ما عدا اثنين مأخوذة من مجلد الشعر وليس من الدواوين، وأن النصين الآخرين لعدم وجودهما في مجلد الشعر ذهب يبحث عنها في مكان آخر فأخذ واحد من كتاب الدكتور الفيفي والآخر من دراسة كامليا عبدالفتاح عن حسن الزهراني، ولو كانت الدواوين بين يديه له احتاج إلى ذلك. ثم يذكر الدكتور عماد في نهاية مقاله أن الدكتور عبدالله الفيفي قد رجع لمجلد الشعر ولم يشر إليه وهذا كلام غير صحيح إطلاقا لأن الدكتور الفيفي رجع لقصيدة خديجة المشار إليها ثلاث مرات وفي كل مرة كان يشير إلى المجلد كمصدر وجاءت إشارته الأولى في ص 84 من كتابه: (حداثة النص الشعري) على النحو التالي: المعيقل، موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث 2 - 396 - 399 نقلاً عن (مجلة اليمامة، السعودية، ع 7850 السنة 31، 12-3-1403هـ مايو 1983م.
هذه هي تفاصيل القضية ولولا مقالات الدكتور عماد لما نشرت تفاصيلها خارج القسم، لقد قمت باطلاع الزملاء على الموضوع للاستشارة وليس للتشهير ثم وجدت فيه رئاسة القسم كرة ملتهبة لم تستطع أو تعرف التعامل معها فقذفت بها نحو عمادة الكلية والأمر الآن لدى الجامعة، وعندما علم الدكتور عماد بهذا انفعل كثيراً وعاد لمجلد الشعر ينبش فيه عن أخطاء، مما جعلني أرثي لحال هذا المجلد المحمود المذموم يؤخذ منه فقرة كاملة ونصوص كثيرة ولا يشار إليه ثم يعود إليه الدكتور الآن ناقماً ساخطاً، فهو مرة يثق فيه ويعتمد عليه ومرة يذمه ويعيب فيه فكيف نفسر هذين الموقفين؟ وإذا كان من الواضح إن قراءة الدكتور الآن لمجلد الشعر هي فقط للبحث عن أخطاء فرب ضارة نافعة إذ لعل القراءة تدفعه إلى التعرف على دواوين الشعر السعودي ومصادر دراسته عن قرب فلا يعود بحاجة إلى وسيط.
على أني في هذا السياق لابد أن أشكر الدكتور عماد على عبارته الأخيرة في الأسبوع الماضي لأنها تعزيني بعض الشيء عندما وصف عملي في مجلد الشعر بأنني عانيت (في إعداده معاناة العلماء الباحثين عن النصوص والمؤرخين لمراحلها الشعرية) وليته تعامل مع المجلد بهذه المشاعر الجميلة، والدكتور عماد يشعر من يعرفه أنه لسبب من الأسباب سلك طريقاً في هذه القضية لا يتفق وطبيعة شخصيته ثم لم يحسن التراجع عنه، أما أنا فلن أكتب في هذا الموضوع مرة أخرى فقد قلت كل ما عندي، بقي أن أقول إنني توقفت في مقال الأسبوع الماضي عند ما وصفه الدكتور أنه أخطأ في مجلد الشعر وتركت الباقي لفطنة القارئ، أما ما أسماه مآخذ في التوثيق والنصوص الشعرية وفي الأسلوب فإني لما رجعت لبعضها وجدت الدكتور عماد أحياناً يصر على أنني أخذت قصيدة ما من مكان ولم أنسبها إليه وقد أثبت عدم صحة ذلك في المقال السابق من خلال الأمثلة وأنا أشعر أن الدكتور عماد يقرأ بسرعة ولا يتوقف كثيراً عند بعض ما يقرأ وهو كذلك يعرف أن هناك اختلافاً بين أبيات قليلة في ثنايا النص وبين قصيدة كاملة، وقد أثبت قصيدة كاملة للغزاوي في مكانها في الديوان، كذلك يعرف أن الكتب والدواوين تختلف طبعاتها وبالتالي مكان الإحالة في الصفحات، أما سقوط كلمة من بيت أو حرف جر فهذا مما لا يغيب عن ذهن القارئ، وفيما يتعلق بالأسلوب وبعض العبارات ووصفها بالخطأ فإن الواقع أن في الأمر وجهين فلماذا يكون أحد الوجهين هو الأصوب، ومع ذلك فإنني لو وجدت فيما قلته ما يستحق التصويب فإني سآخذ به ولك الشكر.
-
* الرياض