أكتب عن هذا الإنسان حقاً.. وفاء لذكراه العطرة.. فقد مات والموت حق قبل أن يأكل عمره كما يقول العامة!؟ فترك أسى وحسرة في قلوب كل من عرفه، جمع بين حسن الخَلْق والخُلق، ونبل المحتد فوالده رئيس القضاء وجده الأعلى إمام الدعوة السلفية الشيخ محمد بن عبد الوهاب تولى وزارة المعارف لفترة طويلة، ثم وزارة التعليم العالي ومعها وزارة الصحة فكان ذا الوزارتين؟! وصاحب القلم والبيان، فقد نشر وكتب وألّف عدة كتب وعشرات المقالات.
رأيته لأول مرة وقد دخل علينا في السنة الأولى بقسم العلوم الاجتماعية بكلية التربية بمكة عام 1384هـ وكنت في الفصل جالساً من ضمن الطلاب، ولما تخرجت من الكلية عُينت في قرية نائية مدرساً ورفضت الذهاب وأصررت على البقاء بالطائف من أجل والدتي وأقاربي ومزاجي؟!
ولم ينقذني من هذه الورطة إلا كرم هذا الرجل الذي يمكن أن يُطلق عليه حلاّل المشاكل» فقد ذهب إليه ابن عمي إبراهيم وأنشده البيت التالي كما قال لي فيما بعد:
هـوى بتهـامة وهـوى بنجـد
وشـتان التهـائـم والنجـود!
ولم يخرج من مكتبه إلا معه ورقة تعييني في الطائف مدرساً؟! والمرة الثانية التي قابلته فهيا كانت في محاضرة له بنادي جدة الثقافي ومعي الأستاذ: محمد سعيد كمال وقد جئنا من الطائف بدعوة من الأستاذ محمد حسن عواد رئيس النادي الأدبي، والمرة الثالثة كانت في مكتبه بوزارة التعليم العالي صيف عام 1396هـ، وقد استقبلني بحفاوة وبشاشة وسألني عن أحوالي وأحوال النادي الأدبي الذي كنت أرأس مجلس إدارته في ذلك الوقت بالطائف، ولكنني للأسف لم أكن في مزاج صاف عندما قابلته. وخلاصة الموضوع هو أن مدير جامعة الملك عبد العزيز - آنذاك - قد أوقف بعثتي إلى أمريكا بحجة أنني لم أحضر لقاء يعقد للمبعوثين قبل ابتعاثهم والغريب أنني لم أبلغ بذلك اللقاء خطياً أو حتى شفهياً! وكنت معيداً بكلية التربية بمكة وأقيم بالطائف.
ومصدر انفعالي ليس بسبب إيقاف بعثتي وحسب.. بل بطريقة التصرف الذي حدث معي، فقد قررت الذهاب لأمريكا من أجل العلم والمؤهل، وهذا ما حصل بالفعل بعد (الطوشة)! وقال لي - رحمه الله - بمودة: ستبتعث... وهذه الورقة اذهب بها لوكيل الجامعة في جدة.. وسيكون خيراً إن شاء الله.
انظروا إلى موقف هذا الرجل الاستثنائي، علماً بأن هذا ليس موقفه أو أسلوبه معي فقط، وإنما مع كل إنسان راجعه في مشكلة أو طلب أو رجاء؟! فهذا طبع فيه لا تطّبع، وأستطيع كما لمست وسمعت من الناس أن أقول إنه الوزير الوحيد في العالم الذي أرضى كل الناس!! وقضى حاجات كل من قصده.. ولم يكن عبداً للبيروقراطية أو القانون!؟
ذهبت إليه مرة في بيته بالطائف فلم أجده.. ولكنني وجدت مجلسه مليئاً بالمراجعين من كل الطبقات وكان الوقت ليلاً... ولما طال بي وبالحاضرين الجلوس قيل لنا إن معالي الوزير في بيت والدته الذي يبعد عن بيته بضعة كيلو مترات .. فقام الجميع وأنا معهم إلى سياراتهم وذهبنا إلى بيت والدة الوزير وكأننا في موكب رسمي أو في مظاهرة عارمة؟!
وأتساءل الآن وقد ذهب الرجل إلى رحاب الله - هل هذا ممكن في أي بلد في العالم أو مع أي وزير في الدنيا؟!
والأغرب في الموضوع أنه يخدم كل الناس بصبر عظيم وعلى غير معرفة سابقة بل ويتخطى النظام من أجل إرضاء الناس فهو مثل الذي يكرمك أو يساعدك وهو لا يعرفك وهذه قمة المروءة والشهامة.
-
* بيروت